بين بابي "الشمس" و"الكرامة"- محمد عبيد
تجربة قرية “باب الشمس” المقاومة للاحتلال “الإسرائيلي”، والآن “باب الكرامة”، وكلتا القريتين على أرض فلسطينية محتلة على تخوم القدس، أثبتتا بلا شك كيف أن المقاومة الشعبية السلمية تترك أثراً كبيراً، وتشكل أزمة حقيقية للكيان الذي لا يتقن سوى لغة القتل والتدمير والاقتلاع .
الاحتلال اقتلع قرية “باب الشمس” على الأراضي المهددة بالنهب في المنطقة التي يسميها “إي 1”، والآن يلوّح بالمصير ذاته لقرية “باب الكرامة” التي أقامها الفلسطينيون على أراضي بيت إكسا شرقي القدس المحتلة، هذه القرية الجديدة تضع أمام الكيان سيناريوهات للمستقبل، لا يمكن إلا أن تكون في مجملها إزعاجاً غير مسبوق، وحتى مأزقاً على المستويين الفلسطيني والدولي .
الفلسطينيون وجهوا الرسالة الواضحة إلى المحتل، اقتلع “باب الشمس”، لتنبت “باب الكرامة” شمساً جديدة عصية على الدفن أو الإخفاء القسري، باب الشمس كانت النموذج، والآن باب الكرامة، وغداً يُزرع باب جديد على أرض فلسطينية مهدّدة بمخططات وآليات ومستعمرات الكيان التوسعي، والرسالة ستصل إلى العالم ككل، لا إلى “إسرائيل” وحدها، ومفادها أن الفلسطينيين صامدون في أرضهم، حتى النهاية .
أساليب المقاومة السلمية الشعبية ليست جديدة على الفلسطينيين، فطالما مارسوها على مدى العقود الماضية، بأشكالها المختلفة، من اعتصامات واحتجاجات سلمية، وإضرابات عامة، وإضرابات عن الطعام، ومقاومة سلمية تجلت في مسيرات وتظاهرات ضد جدار الضم والتوسع في بلدات وقرى عدة، أضحت عناوين بارزة في الإعلام، مثل بلعين ونعلين والنبي صالح وغيرها .
لكن هذا الأسلوب المتمثل بملاحقة الاحتلال ومحاولاته نهب الأرض من خلال الصمود المادي فيها، وزراعة الخيام في أرضها، والمرابطة فيها رغم البرد القارس، ورغم تهديدات الاحتلال وقطعان المستوطنين، يشكل علامة فارقة، إذ إنه من ناحية يكتسي صفة التواصل، فهو ليس فعالية تمر بعد ساعة أو اثنتين، ومن ناحية أخرى وسيلة جديدة ستأخذ طابع الانتشار والتكرار، ما سيجعل الاحتلال يفكر ألف مرة قبل الإعلان عن مشروع نهب جديد للأرض الفلسطينية .
قريتا باب الشمس وباب الكرامة، لن تكونا الوحيدتين، لن تكونا تجربة عابرة تنتهي مع اقتلاع آخر خيمة في الأخيرة، كما كان الأمر مع الأولى، فرئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وتحالفه الانتخابي الأشد تطرفاً، أعلناها صراحة، أنهما لن يوقفا مخططات السلب والاستعمار والتهويد، عندما يعودان إلى سدة الحكم عقب الانتخابات المقررة غداً الثلاثاء، وهذا يؤكد بالضرورة أننا سنشهد المزيد من قرى الصمود والتحدي في أكثر من مكان من الضفة الفلسطينية .
الكيان المحتل ومن خلفه حلفاؤه وآباؤه في الولايات المتحدة والغرب، بذلوا على الدوام كل الجهود والإمكانات، لوصم المقاومة الفلسطينية بوصمة “الإرهاب”، وحاولوا على مدى عقود تجريد نضال الشعب الفلسطيني من صفته التحررية الحقوقية، ولم يتوانوا عن دعم وتغطية مخططات الاحتلال، ومحاولة إضفاء الشرعية عليها، والآن ينتظر الفلسطينيون ما سيكون من هؤلاء .
سيحاولون لي عنق الحقيقة مجدداً، وسيحاولون إدانة المقاومة الشعبية السلمية، لكن ذلك لن يمنع من إنبات أبواب أخرى جديدة على الأرض الفلسطينية، أبواب للشمس والكرامة والتحرير والعودة والأسرى، وغيرها كثير .