فيلم أميركي طويل- فؤاد أبو حجلة
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الكتلة الاشتراكية في أوروبا جهدت الولايات المتحدة في تصنيع "بعبع" جديد يبرر وجوده كل حروبها ومؤامراتها وسياساتها المنحازة للظلم.
في تلك المرحلة قرر الأميركيون تفعيل حلفائهم الاستراتيجيين ودفعوا الحركات الاسلاموية الى اقتراف فظائع شوهت صورة الاسلام والمسلمين في العالم، ومكنت واشنطن من استبدال الخطر السوفييتي المزعوم بالخطر الاسلامي الموهوم.. وبدأت "الحرب على الارهاب" التي أسقطت نظم حكم قومية وتقدمية وانتهت باحتلال دول عربية ولم تنه تنظيما ارهابيا واحدا من التنظيمات التي رعتها الولايات المتحدة عن بعد ووفرت لها بيئة خصبة للتوسع والانتشار.
ترافق كل ذلك مع تعبئة اميركية وغربية ضد الاسلام والمسلمين والعرب وتقديمهم في صورة الارهابي الذي لا يعرف غير لغة الذبح ونحر رقاب الرهائن. ولم يكن هذا التخصص احتكارا لتنظيم القاعدة بل انخرطت فصائل كثيرة في مسلسل الجرائم التي تقشعر لها الأبدان ويشيب أمامها الصبيان.
بقرار سياسي تحول السلفيون الى جهاديين يواجهون بالسلاح كل طواغيت العالم ما عدا الطاغوت الاسرائيلي الذي حرم الاميركيون الاقتراب منه!
وهكذا تعودنا وتعود العالم كله على رؤية اللقطات المصورة للقتل بدم بارد، وذبح المخطوفين المقيدي الأيدي بسيوف يحملها "جهاديون" مبالغون في قبح الهيئة والشعار.
ويبدو أن واشنطن لم تستنفد بعد كل ما تريد من هؤلاء المعتوهين، فتتيح لهم حرية الحركة والانتقال من ساحة الى أخرى لتقديم نماذج اجرامية جديدة ترسخ الصورة الظالمة للاسلام في العالم.
ما زال هؤلاء يمارسون القتل في سوريا، وما زالوا يمارسون الخطف والارهاب في الجزائر، وهم موجودون في كل الدول العربية الأخرى وان كانت الكثير من خلاياهم لا تزال نائمة، ولن تستيقظ الا بضوء اخضر اميركي.
لا أتجنى على أحد، وأرصد فقط ما يجري في بلادنا من فظائع يقترفها مجرمون يعتقدون أنهم ذاهبون الى الجنة. وقد تأثرت كغيري بالنهاية المأساوية لفعلهم الشيطاني في الجزائر، وتابعت كغيري انجازهم العظيم في تشريد الشعب الصومالي وتوزيعه على المنافي، ورأيت كغيري دماء الأبرياء على أرصفة مر عليها سلفيون جهاديون.
يستفزني كل ذلك، لكن ما يستفزني أكثر هو الاصرار الأميركي والأوروبي على استغبائنا، فالذين يحرضون ضد الاسلام يحرصون على احتضان النماذج السيئة والمسيئة حد تمسك بريطانيا بحماية رجل يشبه القرصان في شكله ويجمع بين عين موشي ديان ويد القرصان المقطوعة، بحيث يبدو المسلم هو أبو حمزة المصري وليس عالم أحياء أو مهندسا معماريا بارعا أو فنانا جادا.
بريطانيا العظمى التي ترعى أبو حمزة المصري ترفض منح تأشيرة زيارة لابنتي الراغبتين بزيارة أهل والدتهما البريطانية الجنسية والأصل.. أليس ذلك مثيرا للسؤال؟
إنه فيلم أميركي طويل نأمل بألا يطول كثيرا.