ولاية الانكفاء على الذات!_عادل عبد الرحمن
دشن الرئيس باراك اوباما ولايته الثانية اول امس امام منصة الكابيتول بخطاب قصير لم يتجاوز العشرين دقيقة. اوباما في الولاية الجديدة والاخيرة، ليس هو ذاته في الولاية الاولى. حيث جاء مندفعا نحو قضايا العالم المختلفة وخاصة قضية السلام الفلسطيني – الاسرائيلي، وتبييض صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي. والقى الرئيس الديمقراطي خطابين مطلع عام 2009 في تركيا والقاهرة، لمد الجسور مع العرب والمسلمين، وارسل مبعوثه للشرق الاوسط السيناتور جورج ميتشل قبل ان يطوي اسبوعه الاول في البيت الابيض، للايحاء بجديته، وطالب بوقف الاستيطان ... الخ من المواقف الايجابية، التي تراجع عنها في شهر ايلول /سبتمبر من العام ذاته 2009، عندما اكتشف عدم قدرته على إحداث إختراق في ضوء المعادلة الناظمة للعلاقات الاميركية – الاسرائيلية. ليس هذا فحسب، بل انه اخذ آنذاك يغازل نتنياهو بطريقة لا تليق برئيس الولايات المتحدة.
اوباما في ولايته الثانية، وضع اولويات لعمل ادارته خلال السنوات الاربع القادمة، تركزت على الداخل الاميركي، دون إغفال القضايا الدولية، لكنها في الترتيب الاخير، وكانت كالتالي: الاصلاح الاقتصادي، والتعليم، وإنهاء الحروب الخارجية، والاهتمام بقضايا البيئة، والابقاء خامسا على تحالفات اميركا الخارجية في الاميركيتين واسيا والشرق الاوسط، ومعالجة القضايا الساخنة بالخيار السلمي.
اولويات الرئيس الاسود ليست نتاج رغبات إسقاطية، انما املتها شروط الواقع الاميركي، حيث أُثخنت الولايات المتحدة بديون داخلية وخارجية كادت تطيح بالامبراطورية أكثر من مرة، آخرها مطلع الشهر الحالي، وقبل إعلان القسم للولاية الثانية، ولولا تمكن الرئيس بالاتفاق مع ممثلي الحزب الجمهوري على رفع منسوب الديون، لكان لازما على الرئيس الديمقراطي،إعلان الافلاس على الملأ، وسقوط أميركا الى الحضيض.
مع ذلك اوباما، مازال يتصرف كزعيم لاعظم قوة في التاريخ المعاصر، رغم كل التآكل في مكانة الولايات المتحدة. لكن الدور الاميركي في الملفات الدولية المختلفة، لن يكون بالتدخل المباشر، وانما من خلف الستار، او عبر وكلاء دوليين او محليين في قارات الارض كلها، إلآ اذا استدعت الضرورة التشمير عن الساعد الاميركي لاعتبارات استراتيجية، فإن ادارة اوباما لن تتورع عن النزول للميدان والغرق في وحول القضايا للدفاع عن مكانة وزمصالح اميركا.
ومع ان خطاب ساكن البيت الابيض للعام الخامس، لم يتوقف امام ملفات الشرق الاوسط الثلاث الرئيسية: ملف السلام وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، والمف النووي الايراني والملف السوري بشكل مباشر. لكنه تعرض لها عبر الصحفي الاميركي جيفري غولد بيرغ، كاتب عامود في صحيفة "بلو مبيرغ فيو" الاسبوع الماضي، ووجه رسائل قوية وواضحة للمعنيين من الاسرائيليين والفلسطينيين والايرانيين والعرب. فاكد على ضرورة حث الخطى نحو خيار الدولتين على حدود 67، وادان بشكل عميق سياسات اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو، الذي لا يهدد خيار السلام فقط، بل يهدد وجود إسرائيل ذاتها. وبالنسبة للملف النووي الايراني، اكد من خلال تعيين وزير الدفاع هاغل، انه لن يقدم على اي حرب جديدة، بل سيعمل بالطرق السلمية لمعالجة القضايا والملفات الساخنة، وابرزها الملف الايراني، كما اكد في خطاب التنصيب دون ان يسمي إيران. لا بل ان اوباما وعد بانهاء عقد الحروب. لانه معني بتعزيز والنهوض بالاقتصاد الاميركي، لحماية مكانتها كقوة اولى في العالم. والملف السوري، سيترك معالجة تداعياته عبر الحلفاء الاوروبيين والاقليميين وخاصة تركيا وقطر والعرب عموما، فضلا عن فرنسا وبريطانيا.
الولايات المتحدة لن تستطيع ان تنأى بنفسها عن قضايا العالم. ولكن طريقة تعاملها مع الملفات الاقليمية والدولية ستكون مختلفة لسياسات الحزب الجمهوري زمن بوش الاب والابن. كما ان الثوابت في الاستراتيجية الاميركية لن تتغير، فإسرائيل ستبقى محل حماية وخطاً احمراً ليس مسموحا لاحد تهديدها او التطاول على مكانتها في المنطقة، كما ستغض الادارة الاميركية النظر عن جرائمها، لا بل ستدافع عنها في المنابر الدولية وخاصة مجلس الامن للحؤول دون إدانتها، ولكن ايضا ستعمل من خلف ستار لدعم المبادرة الاوروبية، وستدعم اية خطوات تدفع خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 67 للامام. ولن تسمح لنتنياهو بتوريط الولايات المتحدة في اية حروب جديدة، إلآ اذا تولدت لدى الادارة ذاتها اهمية الاقدام على هكذا خطوة.
اوباما في إدارته الثانية، لن يكون افضل حالا من ادارته الاولى، التي اتسمت بالتخبط والتردد والتعثر. وقد تكون ولايته الثانية فاصل بين زمنيين في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية. وقادم الايام الحكم على اي استنتاج.