التطهير العرقي في « بيت اكسا»- موفق مطر
كتب ايلان بابيه وهو كاتب يهودي تقدمي في كتابه التطهير العرقي: «في 10 آذار / مارس 1948، وضعت مجموعة من أحد عشر رجلاً، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابيين، اللمسات اﻷخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً، وفي مساء اليوم نفسه، أرسلت اﻷوامر إلى الوحدات على اﻷرض باﻻستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين في مناطق واسعة في البلد، وأرفقت اﻷوامر بوصف مفصل للاساليب الممكن استخدامها لطرد الناس بالقوة: إثارة رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل وأملاك وبضائع، طرد، هدم (بيوت، منشـآت)، وأخيراً، زرع ألغام وسط اﻷنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم»..
وكتب ايضا: « ان هذه الخطة تشكل مثاﻻ واضحاً جدًا لعملية تطهير عرقي، وتعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد اﻹنسانية. لقد أصبح من المستحيل تقريباً، بعد الهولوكوست، إخفاء جرائم شنيعة ضد اﻹنسانية، واﻵن، في عالمنا المعاصر، الذي يشهد ثورة في مجال اﻻتصاﻻت، لم يعد في اﻹمكان إنكار كوارث من صنع البشر،او إخفاؤها عن أعين الرأي العام».
شهادة العين والبصيرة الانسانية على الجرائم ضد الانسانية ابلغ من اي شهادة من نوع آخر، فكيف اذا كان الشهداء رسل العلاقة الانسانية بين الشعوب (سفراء وقناصل ومبعوثي دول ودبلوماسيين )، ورسل الحقيقة ( الصحفيين ) ؟.
حسنا تفعل وزارة الاعلام، فبرنامج الزيارات الميدانية لأعضاء السلك الدبلوماسي في دولة فلسطين المحتلة خير من الف لقاء في المكاتب او الفنادق، فالرسول هنا بقلبه وعقله ومشاعره وأحاسيسه الانسانية، يرى الأرض المصادرة، المسورة بأسلاك الاحتلال المكهربة، يرى قلاع المستوطنين المقامة على أرض الفلسطينيين المغتصبة، يرى سيدة تمشي بضعة كيلومترات في ارض زراعية مع أطفالها لتتجاوز حاجزا عسكريا يمنعها من الوصول الى اقرب نقطة تمكنها من الاتصال والتواصل مع محيطها العربي الفلسطيني، فالشوارع مخصصة للمستوطنين، وممنوع على اصحاب الأرض الأصليين المرور منها من والى بلداتهم وقراهم ومدنهم.
شاهدنا في بيت اكسا كيف تنتهك الكرامة الانسانية، فلا مداخل ولا مخارج الا من عند جنود الاحتلال المتحصنين، لفوا القرية بأسلاك كهربائية او شائكة كأنها « حظيرة» دواجن كبيرة لكن الأحياء فيها آدميون بشر من بني الانسان، فلسطينيون ذنبهم أنهم ظلوا صامدين في ارضهم وبيوتهم، لم ترعبهم او ترهبهم خطط التطهير العرقي.
يذهلنا منظر تلال القدس القريبة وابتلعت ذرواتها مستوطنات احاطت بقرية بيت اكسا من كل الجهات.. خطر الاستيطان والتطهير العرقي يزحف ببطء..لكن بقوة !!
اغلاق المناطق واعلانها عسكرية، فتبور الأرض، ويموت الشجر وتصعب سبل الحياة، والهدف تهجير الفلسطيني او اجباره على الرحيل طوعا، لكن الفلسطيني الصامد الصابر هنا يقول: «كأننا عشرون مستحيلا».
شاهدنا في بيت اكسا صفحة من تاريخ الانسان على هذه الأرض الطيبة المقدسة، أحجارا رفعها الانسان بيوتا ليسكن بها ويتعبد قبل آلاف السنين، فكانت شاهدا حضاريا وما زالت، فما بين الآجور الأحمر على سقوف بيوت المستوطنات، والحجر الصخري المقلوع من بطن الجبل، وأقواس القصور والبيوت العربية آلاف السنوات من عمر الجذور الأصيلة في فلسطين.
كان محقا صديقنا الدكتور محمود خليفة وكيل وزارة الاعلام عندما وصف ما يحدث بكتف القدس المحتلة « بيت اكسا» بالتطهير العرقي. فشكرا لكم د.محمود.. نداء يونس.. وزارة الاعلام..، فقد جعلتمونا ببرنامجكم نحب أرضنا أكثر مما نعتقد اننا نحبها.. وجعلتمونا نخشى على رموز ثقافتنا من الاندثار تحت موجات تسونامي الاحتلال والاستيطان.