مصر: الغياب شبه الكامل للإخوان عن المشهد - عزت القمحاوي*
أكتب هذه السطور في السابعة مساء بتوقيت القاهرة. وحتى هذه اللحظة مضت الأمور على عكس وعيد الإخوان بتحويل البلاد إلى حمام دم، ولم توضع دعوة مرشد الجماعة لكوادرها بـ 'الاستشهاد' موضع التنفيذ. وهذا الغياب شبه الكامل للإخوان عن المشهد هو وجه الشبه الوحيد بين 25 يناير 2011 و25 يناير 2013. وكل ما عدا ذلك صار مختلفًا.
اختلاف موقع الإخوان في التاريخين يجعل سبب الاختفاء مختلفًا. في المرة الأولى كانوا الشريك غير المؤكد لنظام مبارك والشريك غير المؤكد للقوى الوطنية، ولهذا فإن غيابهم في 2011لم يزل لغزًا حتى اليوم، تتراوح تفسيراته بين التواطؤ الكامل مع مبارك وبين الوقوف على الحياد بدافع الحذر والبراغماتية التي تمارسها الجماعة انتظارًا لرؤية ما يسفر عنه ميزان القوى.
اليوم، الإخوان في السلطة. ليسوا وحدهم فيها كما يتوهم الكثير من رموز المعارضة، وكذلك ليسوا مشاركين لأية أجنحة من القوى الوطنية، بل هم شركاء مع نظام مبارك بسفور تأكد خلال العامين.
يوم 12فبراير، عقب تنحي مبارك مباشرة سحبت الجماعة قدمها التي وضعتها يوم 28 يناير 2011 مع الثوار (القدم التي لم تتركها في الميدان سوى خمسة عشر يومًا) وأعلنت على الفور: الشعب يريد إخلاء الميدان.
وكان هذا الشعار بناء على الطبخة السرية التي طبخوها مع العسكر برعاية أمريكية، ومنذ تلك اللحظة هم شركاء في النظام الذي لم يسقط في 2011. تآمروا في المفاصل الأساسية التي بددت ثورة الشباب، من الاستفتاء على إعلان دستوري حتى وصول مرسي إلى الكرسي.
واليوم نصف الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء هم من ذيول نظام مبارك (لأن الرموز في السجن) لكن الأهم من ذلك أن ثروات المحبوسين من أعضاء النظام لم تمس، ولم تزل التصريحات عن استعادة الأموال المنهوبة مجرد شعارات مثلما كانت طوال تقدم العسكر لصدارة المشهد الذي يقف الإخوان في خلفيته.
الإبقاء على فساد الإعلام، مظهر آخر من مظاهر الشراكة بين الإخوان والحزب الوطني. نجوم فضائيات عصر مبارك الذين حرضوا علنًا على قتل الثوار، وكان من الممكن سجنهم بهذه التهمة لا يزالون نجومًا لأنهم لم يقدموا للمحاكمة، وقنوات رجال الأعمال تزايد عددها وبإمكانيات ضخمة، وقد ترك الإخوان الأموال مجهولة المصدر تمر إلى هؤلاء وأضافوا إليه نكهتهم الخاصة ممثلة في قنوات قاطعي الطرق باسم الدين.
الإبقاء على الفساد الإعلامي يعطيهم المبرر لوصم المعارضين بوصمة المباركية، ويمنح الجماعة الفرصة للشكوى من الإعلام المناوىء الفاسد المستمر بكل نجومه!
ولا يكفون عن الحديث حول مصادر تمويله،بينما في أيديهم ـ بوصفهم سلطة ـ أن يكشفوا عن هذه المصادر، وهم لا يفعلون!
شراكة اليوم مع جماعة مبارك تختلف عن شراكة 2011، فالقدم الأخرى ليست مع الثوار، بل ضدهم بالكامل، لكن الثوار اختلفوا وأصبحوا أكثر قوة. والسبب الحاسم في اختفاء الإخوان وحلفائهم السلفيين أمس كان احتجاجات روابط مشجعي الكرة، 'ألتراس النادي الأهلي' بشكل أساسي، وقد تمكنوا من شل القاهرة في مفاصل حيوية يوم الأربعاء، ولم يكن اختيارهم لمقر البورصة أمرًا بلا دلالة، علمًا بأنها المرة الأولى التي يشار فيها بوضوح إلى هذا الكيان الأكثر فسادًا في الاقتصاد المصري.
أثبت شباب الألتراس في حصارهم للمترو وقطع جسر أكتور وحصار البورصة طبقًا لنداءات واستجابات منظمة وحاسمة قدرتهم على الرد بالعنف من دون البدء بممارسته.
وهذه الاستراتيجية هي التطور الجديد في الثورة المصرية، التي انطلقت بسلمية تنافس تسامح المسيح. وكانت هذه السلمية هي مصدر الإلهام والتأثير على العالم، حيث لم يخف محتجو إسبانيا وأمريكا واليونان تأثرهم بالشباب المصري، لكن الأثر كان عكسيًا على صعيد توازن القوى الداخلي، إذ أطمع التيارات الدينية في الثورة، فكانت مظاهر البلطجة في حصار المحكمة الدستورية والمدينة الإعلامية وممارسة القتل والتعذيب أمام قصر الرئاسة.
قوة الردع، جعلت التوعد الشرير مثله مثل كثير من وعود طلاب الدنيا الملتحين، مجرد كلام في الهواء، لكن مصر وما يجري فيها لا يرتبط بتوازنات القوى داخلها فحسب، بل بالموقف الأمريكي والإقليمي. والإخوان يفهمون أقل إيماءة من الشيف الأمريكي الذي أشرف على الطبخة من البداية.
لم تكن مواجهة مرسي بتصريحاته ضد السامية عملاً بلا معنى، ولم يقعوا على التصريحات مصادفة، وليس من قبيل المصادفة أيضًا أن يثني وزير الخارجية الجديد كيري على شباب التحرير ويعتبر التعامل مع مرسي من باب الضرورات (كيري ليس مسلمًا ليصف التعاون مع مرسي بأكل الميتة كما قال المناضل عبد الحليم قنديل يوم أعلن انحيازه لمرسي ضد شفيق).
من مطالبة السيناتور جون ماكين لمرسي بالاعتذار، ومن بيان جون كيري وزير الخارجية أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ صار واضحًا أن الشيف الأمريكي بدأ يخرج إحدى قدميه من مربع الإخوان، وهو لم يفعل ذلك في 2011 مع مبارك إلا يوم 28 وليس 25.
يوم 25 يشبه 28يناير 2011 من وجوه أخرى كثيرة، فالغضب بالأمس من حيث أعداد المشاركين والرقعة الجغرافية ومظاهر حرق بعض المنشآت وغياب صوت السلطة واهترائها يشبه الوضع في ثالث أيام الثورة الأولى، لا الأول.
*كاتب مصري