دموع أم الدنيا- فؤاد ابو حجلة
دموع كثيرة تسيلها قنابل الغاز في الميادين وشوارع المواجهة وأكثر منها يسيلها الخوف على حاضر ومستقبل مصر، فالدولة التي تحررت من قبضة القمع الرجعي المدعوم أمريكيا في عهد مبارك لم تخرج من حصار الفقر والخوف والسياسات البائسة التي تسعى لشطب منجزات ثورة يوليو التي أنصفت المصريين قبل ستين عاما، وتحاول ترسيخ احتكار "الجماعة" للحياة السياسية في البلاد.
في الذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير تحولت شوارع مصر إلى ساحات مفتوحة للغضب والعنف الذي فجره الكبت والاحباط والاحساس بالخديعة. وكان واضحا منذ اللحظة الأولى لاعتصام ميدان التحرير أن الجموع المليونية توجه رسالة واضحة وصريحة بأن المناسبة ليست احتفالا بروتوكوليا في ذكرى الثورة بل هي بيان مكتوب بالدم وبالدموع يعلن استمرار هذه الثورة من أجل استعادة مسارها "المخطوف".
هكذا يقرأ الزائر لمصر ما جرى وما يجري في هذه الأيام الصعبة، وهذا ما يسمعه الزائر من المحتجين المعتصمين في الساحات وما يراه في عيونهم التي لا يطفئ الدمع التماع الغضب فيها.
كان المشهد واحدا في ميدان التحرير وفي ميداني اللوق وطلعت حرب وفي الشوارع القريبة من هذه الميادين وأمام دار القضاء العالي وقبالة قصر الاتحادية، وكان الهتاف موحدا في كل التجمعات الجماهيرية التي أشعلت شوارع القاهرة بالغضب وحولتها إلى جبهات للمواجهة بين قنابل الغاز المسيل للدموع والحجارة والعصي. وقد تحقق ما أرادته هذه الجموع فوصلت الرسالة بوضوح شديد لكن الرد عليها كان بتغريدة رئاسية على "تويتر"!
من الواضح أن ما يجري الآن بداية لمرحلة جديدة في الثورة السياسية ستتبعها مراحل كثيرة من الصراع السياسي بين النخب في الحكم والمعارضة وهو صراع يراقبه الشارع بأعين مفتوحة وعقول نشطة تعلمت الا تصدق الوعود الرسمية.
المصريون يمارسون واجبهم في الدفاع عن حاضرهم ومستقبلهم، والعرب يواصلون الصمت لأنهم منشغلون فقط باسقاط بشار الأسد. لكن مصر تظل أماً رؤوماً تحمي صغارها وتحنو عليهم ولا تنتظر الدعم من الصغار.