إعادة تلميع صورة اسرائيل- الياس خوري
ما ان اعلنت نتائج الانتخابات الاسرائيلية، وسط امل ما يسمى بيسار الوسط الاسرائيلي ببناء كتلة مانعة لعودة نتنياهو الى السلطة، حتى بدد يائير لبيد زعيم حزب 'يش عتيد' (هناك مستقبل) هذا الاحتمال، معلنا انه لن يشــــترك في كتلة مانعة مع حنين الزعبي!
لم يتبادر في ذهن السيد لبيد الذي كان مفاجأة الانتخابات، ان يسأل حنين الزعبي رأيها في الموضوع برمته. فالزعبي ورفاقها اعضاء الكنيست الفلسطينيين، خبروا اللعبة الصهيونية، ويعرفون ان مسألة الكتلة المانعة مجرد وهم، وانهم ليسوا في وارد مغازلة الطبقة السياسية الاسرائيلية التي لا تُجمع سوى على كراهية سكان البلاد الاصليين والاستمرار في اضطهادهم.
لا شك ان الانتخابات الاسرائيلية احدثت تغيرا ما. فهي من جهة اولى قامت باضعاف نتنياهو- ليبـــــرمان، وادخـــــلت الى الساحة السياسية الاسرائيلية نجمـــــين: يائير لبيد ونفتالي بنيت. الأول على يسار نتنياهو والثاني على يمينه. كتلة 'هناك مستـــــــــقبل' من اجل اخذ مطالب الطبقة الوسطى في الاعتبار، وكتلة 'البيت اليهودي' من اجل الاستمرار في سياسة الاستيطان الزاحف وسحق الفلسطينيين.
كما اظهرت من جهة ثانية عقم البديل. فالانتخابات لم تكن بين نتنياهو وبديل محتمل في رئاسة الحكومة، يحيموفيتش، زعيمة حزب العمل لم تتوقف عن اعلان براءتها من اليسار، مخرجة حزبها من المنافسة وكديما انتهى، وتسيبي ليفني اقتنعت بالتواضع.
تمحورت الانتخابات حول صورة نتنياهو الذي لا بديل له، هل يفوز نتنياهو حامل خطاب الصلف والتطرف اليميني على طريقــــة ليبرمان، ام يفوز نتنياهو بعد تبييضه بنكهة وسطية لا تستفز ادارة اوباما؟
فاز نتنياهو المبيّض على نتنياهو السابق، ولكن حذار من التفاؤل، فإلى جانب ليبيد، الذي ينتمي ايديولوجيا وسياسيا الى معسكر اليمين، يجلس نفتالي بنيت بخطاب 'البيت اليهودي' المسعور، الذي ركّز حملته الانتخابية على ضرورة ضم اراضي الضفة الغربية من دون سكانها، والذي يشكل على المستوى الايديولوجي الصورة الجديدة التي تعلن نهاية الصهيونية وتدعو الى استبدالها باليهودية.
واخيرا فان حساب النتائج يدل على ان الكتل اليمينية او المتحدرة من اليمين، بما فيها كتلة ليبيد تستحوذ على اغلبية مطلقة ومريحة، وان آفاق ما اطلق عليه اسم 'عملية السلام'، هي استمرار الموت السريري.
حصاد الانتخابات هو اعادة تلميع صورة اسرائيل، فالخطاب الأرعن الذي استفز الامريكيين والأوروبيين سوف يتراجع، وهذا يعطي فرصة لاسرائيل من اجل ترميم صورتها الدولية المتداعية.
غير ان تراجع الخطاب لا يعني تراجعا في السياسات، بل عودة الى الازدواجية التي طبعت مسار الدولة الصهيونية منذ تأسيسها: يتحدثون عن السلام ويخوضون الحرب، يدعون الى الديموقراطية ويمارسون سياسة الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية، مؤسسين لنظام ابارتهايد بدأت ملامحه تتشكل، يوافقون على حل الدولتين، ويجعلون من هذا الحل مستحيلا.
تلميع اسرائيل لا يتناقض على الاطلاق مع سياساتها العنصرية، فقط يجب تهذيب اللهجة، والتنعّج، والايحاء بالاستعداد للسلام، ومتابعة سياسة تقويض فلسطين وتهويدها واستعباد شعبها.
يائير لبيد ليس سوى اداة تلميع للصورة. لقد عبر الرجل الآتي من الاعلام، والذي يرث مشروع والده المجهض عن تململ الطبقة الوسطى نتيجة الساسات الاقتصادية للحكومات اليمينية، لكنه لم ينبس امام الهدر المالي الهائل في المشاريع الاستيطانية. واغلب الظن ان طموح الرجل وطموح مؤيديه لا يتعدى الشكل، فهم يريدون المحافظة على صورة الدولة العلمانية، في الوقت الذي يلتهم فيه التطرف الديني المجتمع الاسرائيلي. انها لعبة مظاهر، نجح لبيد في صوغها، بحيث صار حبل نجاة نتنياهو من اسر خطاب حلفائه، الذي وضع الدولة العبرية في موقف حرج تجاه الادارة الامريكية، خصوصا بعد الغرور الذي انتفخ به رئيس الحكومة الاسرائيلية عبر مشاركته في محاولة منع اوباما من تجديد رئاسته.
انتصر اوباما في انتخابات اسرائيل، ولعل طعم هذا الانتصار، الذي لن يغير شيئا على ارض الممارسة الاحتلالية، يكشف لنا حدود الموقف الامريكي، الذي يضع في اولوياته المطلقة حماية اسرائيل ولا يعير المطالب الفلسطينية سوى اذن صماء.
لا يجب ان يمر هجوم لبيد على حنين الزعبي، من دون قراءة دلالاته. فسيد الوسط اراد حجة للارتماء في احضان اليمين الليكودي، ولم يجد امامه سوى دغدغة المشاعر العنصرية عبر الهجوم على الفلسطينية الشجاعة، التي شاركت في اسطول الحرية، وانتصرت في المحكمة العليا، وتوجت دلالات تجربتها بالانتصار في الانتخابات.
العبرة الاساسية لا تكمن في الرد على هذا الخطاب الذي يشي بالعنصرية والاستعلاء، بل في بلورة مشروع وطني فلسطيني، يشكل افقا سياسيا داخليا، يربط بين الأقلية الفلسطينية في البلاد والأكثرية الفلسطينية في فلسطين كلها وفي المنافي.
قراءة حصاد الاحزاب العربية في الانتخابات لا يدعو الى التفاؤل. فلقد فشلت محاولة التوصل الى قائمة موحدة بين 'الجبهة' و'التجمع'، وخاض الفلسطينيون الانتخابات بثلاث قوائم، وحصدوا احد عشر مقعدا، محافظين على قوتهم من دون زيادة ولا نقصان، وهو رقم لا يعكس الديموغرافيا الفلسطينية، ويشكل مراوحة مزعجة وقد تكون محبطة.
المسألة في رأيي تتجاوز الأرقام لتطال المشروع السياسي. فلقد بدا الخطاب الانتخابي في القوائم الثلاث قديما، كأن احزاب الداخل تعيش في ماضيها السياسي. بل بدا التنافس بين 'الجبهة' و'التجمع' وكأنه محاولة تثير الأسى لتصفية الحسابات.
اثبتت الانتخابات ان لا احد يستطيع تصفية احد او وراثته، ولكن البقاء في صيغة تنافسية تعكس عصبيات حزبية لا يجدي، بل قد يؤدي الى افراغ المشاركة في الانتخابات من مضمونها.
المطلوب من الكتل الثلاث الى جانب المثقفين والمعنيين وقفة شجاعة تقود الى حوار فلسطيني مثمر افقه الوصول الى شكل وحدوي من دون ان يعني ذلك اندماجا. اي تنظيم المختلف في المؤتلف، وبلورة مطالب وطنية جامعة عبر تحديد معاني الشعارات: المواطنة، المساواة، الحقوق القومية للأقلية الفلسطينية، الانتماء الى الشعب الفلسطيني... ومن ثم الانتقال الى بناء اطر تنظيمية جماهيرية تؤسس لما يمكن ان يشكل مستقبلا بداية المؤتمرالوطني الفلسطيني في الداخل.
هذه المهمة باتت عاجلة ولا تحتمل تأجيلا، خصوصا وان الوضع الفلسطيني في الضفة ينبيء بولادات نضالية جديدة، قد تتبلور في انتفاضة ثالثة.
فلسطينيو الداخل الذين حملوا عبء استمرار العلاقة بين الأرض والشعب، في احلك الظروف، ولم يتنكروا للوعد الفلسطيني، يجدون انفسهم اليوم في قلب معركة الأمل الذي يعيد الشعب الفلسطيني اختراعه حتى في اصعب الأوقات.