تشغيل محرك التسوية- عادل عبد الرحمن
انتهت لحظة مهمة في حياة بعض الدول الواقعة في قلب الصراع او المؤثرة في صياغة السلام والحرب بعد ان انجلت غيوم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. لا سيما وان اي حراك سياسي على خط العملية السياسية في المنطقة وخاصة المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، لم يكن ممكنا في فترة انتقالية في الادارتين الاسرائيلية او الاميركية. فضلا عن ان التسوية، كانت طيلة السنوات الاربع الماضية، زمن حكومة نتنياهو مجمدة، وتعيش في حالة موت اكلينيكي نتيجة السياسات والممارسات الاسرائيلية المعادية للسلام، والتي هددت عمليا وعلى الارض بفعل إستشراء الاستيطان الاستعماري في اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 67، الامر الذي اثار ردود فعل دولية واسعة بما في ذلك في الولايات المتحدة الاميركية، الحليف الاستراتيجي لدولة الابرتهايد والتطهير العرقي الاسرائيلية.
رغم ذلك، فإن مهندسي الورش السياسية العربية والاوروبية بالتنسيق والتناغم مع الادارة الاميركية، لم يكفوا عن محاولات تحريك عربة التسوية، وإصلاح الاعطال الاسرائيلية المميتة لعملية السلام قبل واثناء اللحظة الانتقالية، وتضاعفت الجهود بعد ظهور نتائج الانتخابات الثلاثاء قبل الماضية (22/1) على ما حملتة من التباسات وغموض. لتجاوز الاستعصاء الاسرائيلي، وتفاديا للسيناريو الاخطر، وهو موت وفناء خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، الذي تبنته ، وتتبناه وتدعمه القوى الدولية والعربية بما في ذلك القيادة الفلسطينية.
دول الاتحاد الاوروبي وخاصة فرنسا وبريطانيا ومن خلفهما المانيا بالتعاون مع الادارة الاميركية نسقوا الجهود خلال الاشهر الماضية لايجاد صيغة سياسية لاحياء المفاضات بين دولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال منذ حزيران 67 ودولة إسرائيل المحتلة لها. والتحرك الاوروبي ليس بعيد عن صناع القرار العرب والفلسطينيين. لا بل من المعطيات الراشحة هناك تعاون وتكامل بين الاوروبيين والعرب.
وما اعلنه قبل يومين السيد محمد صبيح ، نائب الامين العام لجامعة الدول العربية للشؤون الفلسطينية، عن وجود خطة عربية مكونة من ثلاثة عناصر، هي: الشروع بالتفاوض على خيار الدولتين على حدود 67؛ ضمان الامن المتساوي بين الطرفين؛روزنامة التفاوض مدتها ستة اشهر. وقيام وفد عربي خلال الفترة القادمة بعرضها على الولايات المتحدة واقطاب الرباعية الدولية.
في السياق، قامت الدول المذكورة من الااتحاد الاوروبي ببلورة رؤية، تتقاطع مع الرؤية العربية، وتستند الى خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67 مع امكانية التبادل للاراضي المتفق عليه مبدئيا منذ زمن بوش الابن في حزيران / يونيو 2004. لكن الملاحظ ان الخطتين العربية والاوروبية تقفزان عن عنصر مهم، تضمنتة خطة خارطة الطريق ومرجعيات التسوية، وهو ضرورة وقف الاستيطان الاستعماري في اراضي دولة فلسطين المحتلة وخاصة القدس الشرقية. وهو المطلب، الذي يطالب به الفلسطينيون، ويعتبرونه عاملا مهما في الكشف عن النوايا الحقيقية للقيادة الاسرائيلية، التي أدارت الظهر لهذا البند، وسابقت الزمن في اعلان العطاءات والبناء الفعلي لاف الوحدات الاستيطانية في المستعمرات الاسرائيلية. متحدية الارادة الدولية، وضاربة عرض الحائط بمرجعيات عملية السلام، لا بل ان نتنياهو عشية الانتخابات الاسرائيلية ، اعلن بشكل سافر عن رفضه خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، كما واعلن عن عدم استعداده لازالة اي مستوطنة في الاراضي المحتلة عام 67.
ولهذا شددت القيادة الفلسطينية اول امس في بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ما لم يحدث تغيير جدي في السياسة الاسرائيلية تجاه عملية السلام، فإن إمكانية إحداث حراك حقيقي، سيكون صعبا لا بل مستحيلا ما لم تفرض الاقطاب الدولية ذات الصلة بعملية التسوية السياسية عقوبات حقيقية اقتصادية وديبلوماسية وسياسية وامنية على دولة إسرائيل.
مع ذلك يعتقد المرء، ان القيادة الفلسطينية قد تفتح الافق امام المبادرات المطروحة بهدف الخروج من عنق الزجاجة الاسرائيلية، ودفع عربة المصالحة للتحرك للامام، ان كانت هناك وعود حقيقية باستخدام سلاح العقوبات في حال لم تلتزم اسرائيل خلال فترة الستة اشهر المقترحة للمفاوضات باستحقاقات عملية السلام والسماح لخيار الدولتين على حدود 67 برؤية النور. بمعنى قد تقايض القيادة الفلسطينية بين عامل وقف الاستيطان الاستعماري في الاراضي، بالعمل على استخدام سلاح العقوبات لفرض خيار الدولتين في حال رفضت إسرائيل الالتزام به
واهمية هذا الموقف التكتيكي مواصلة حصار اي حكومة اسرائيلية قادمة ترفض خيار الدولتين، ومنح الاقطاب الدولية مجددا فرصة الضغط على اسرائيل، واستثمار الوقت في تثبيت ركائز دولة فلسطين في المنابر والمنظمات الاممية، واخراج خزينة دولة فلسطين من الحصار المفروض عليها، وبالتالي إلقاء الكرة في ملاعب العرب والاوروبيين والاميركيين. رغم ان الرهان على القوى المذكورة اثبت فشله للمرة الالف، لكن لا بأس من المحاولة مرة اخرى، لاسيما وان دولة التطهير العرقي ماضية في مخططاتها الاستعمارية رفضت ام وافقت القيادة الفلسطينية.
a.a.alrhman@gmail.com