بلوكات ملونة- فؤاد ابو حجلة
ظهر في مصر في الأيام الأخيرة تشكيل جديد يشارك في فعاليات الحراك السياسي بوسائل عنفية غير مألوفة في الشارع المصري، ويعبر عن معارضته للسلطة بطرق مخيفة تشمل إغلاق الجسور بالقوة والاشتباك مع قوات الشرطة في معارك كر وفر في الأحياء ذات الحساسية السياسية والأمنية العالية.
هذا التشكيل يسمي نفسه "البلاك بلوك" أو "الكتلة السوداء" أو "التجمع الأسود"، ويخفي أعضاؤه هوياتهم من خلال تغطية وجوههم بأقنعة سوداء، ويتخفون أيضا بين جماهير المعتصمين المشاركين في الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات المليونية.
ويبدو أن "البلاك بلوك" يستهوي أعدادا كبيرة من الشباب المصري الذي يقبل على الانخراط في هذه المجموعات ويشارك في المواجهات، رغم أن الحكم ومعارضته وجميع التشكيلات السياسية تقريبا تتبرأ من المسؤولية عن هذا التشكيل أو العلاقة معه.
مساء الأربعاء رأيت مجموعة من "البلاكبلوكيين" في شارع قريب من ميدان التحرير، وقد كان منظرهم مخيفا بالفعل، واستنتجت من الهتافات التي رددوها أنهم متطرفون يتشابه شعارهم مع ما تطرحه الجماعات الأوروبية اليمينية المتطرفة، وبعض الحركات والتنظيمات التي يطلق عليها في الغرب اسم تيار "الترا رايت" أو اليمين المتطرف، ولعل هناك ما يدعو مراقبا مثلي للتمسك بهذا الاستنتاج بعد موجة العنف التي شهدت بعض حالاتها في القاهرة خلال حراك روابط مشجعي أندية كرة القدم التي يسميها المصريون "التراس".
إنها ظواهر جديدة لا يمكن للمحلل ان يتعامل معها ببراءة خاصة في ظل حالة التوتر الشديد في الشارع المصري الذي يغلي بالغضب.
ما هو "البلاك بلوك"، ومن يقف وراء هذا التشكيل، ولماذا يعاديه الجميع ولا تستطيع أجهزة الدولة وقوى المعارضة وضع حد لنشاطه؟
لا أحد هنا يستطيع تقديم الردود المقنعة على هذه الأسئلة الصعبة، ولا أحد هنا يضمن ألا ينشأ فجأة تشكيل مضاد آخر يحمل اسم "الوايت بلوك" مثلا؟
المشهد السياسي المصري غني بالتفاصيل لكن الحياة المصرية أغنى كثيرا من هذا المشهد وتنتج كل يوم مفاجأة جديدة، وتقدم كل يوم نموذجا جديدا في ربيع يصبغ أرصفة الشوارع بالأحمر الدامي.