آفاق زيارة اوباما - عادل عبد الرحمن
اعلن البيت الابيض الاميركي رسميا أن الرئيس باراك اوباما سيزور كل من إسرائيل ودولة فلسطين المحتلة والاردن في النصف الثاني من آذار / مارس القادم، بعد تشكل الحكومة الاسرائيلية الجديدة.
يأتي هذا الاعلان في اعقاب المكالمة الهاتفية، التي اجراها اوباما مع نتتنياهو الاسبوع الماضي لتهنئتة بالفوز في الانتخابات البرلمانية، وبعد مكالمة وزير الخارجية الجديد جون كيري لرئيس الوزراء الاسرائيلي المكلف تشكيل الحكومة. والملفت في تحديد موعد الزيارة، كونها اولا تتعارض مع وجهات نظر العديد من المراقبين، الذين اشاروا الى ان الدورة الثانية للرئيس الاميركي الاسود، لن تشهد تدخلا اميركيا مباشرا في ملف التسوية السياسية، وستترك للاوروبيين لعب الدور المباشر؛ وثانيا ان الزيارة تعتبر الاولى للرئيس الاميركي في دورته الجديدة للعالم، ويبدأها بدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. بعكس ما فعله في دورته الاولى، حيث قام بزيارة كل من تركيا ومصر ، ولم يقم بزيارة إسرائيل.
الزيارة الاوبامية للدول الثلاث، تعكس رغبة الادارة في تحقيق اكثر من هدف، منها : 1- تعزيز التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وايجاد لغة مشتركة مع نتنياهو، للتخفيف من إنتقادات الجمهوريين وانصار إسرائيل في مؤسسات صنع القرار الاميركية؛ 2- ولعدم تعطيل انصار إسرائيل في الكونغرس ترشيح هاغل لوزارة الدفاع (البنتاغون؛ 3- لتحريك عملية السلام على اساس خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، لا سيما وان جون كيري في محادثته الهاتفية مع الرئيس محمود عباس، اشار الى رغبة الادارة في المضي قدما لتحقيق نقلة نوعية في العملية السياسية، وهو ما يشير الى ان ملف التسوية سيكون اساسيا في المحادثات الاميركية الاسرائيلية؛ ثالثا كما ان المحادثات ستتركز على ملفات المنطقة المختلفة : الملف الايراني، والسوري واللبناني والمصري والخليجي وحتى التركي، لان ما بين الدولتين من قواسم مشتركة تسمح لهما بفتح كل الملفات ذات الصلة بمكانة الدولتين وتحالفاتهما على المستويات الاقليمية والدولية.
مما لا شك فيه ، ان زيارة ساكن البيت الابيض للمنطقة، تحمل قوة دفع مهمة لعملية السلام، وقد تسهم في تهذيب مواقف نتنياهو و"الليكود بيتنا" (إن قدر لزعيم الائتلاف تشكيل الحكومة) تجاه خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، ودفع الحكومة الجديدة لتقديم تسهيلات جلية وواضحة لصالح دولة فلسطين المحتلة، لادراك الادارة الاميركية، بانه آن الاوان لتقديم حوافز للقيادة الفلسطينية، تشعرها بانها تملك مقومات الامل في الانتقال الى الدولة المستقلة، وهذا ما اشار له وزير الخارجية الجديد في محادثتة الدافئة مع الرئيس ابو مازن. الامر الذي قد يسهم في تمكين الرئيس اوباما من جمع عباس، رئيس دولة فلسطين مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بعد الاستعداد الاسرائيلي الفعلي لتقديم ضمانات باحداث نقلة في تعزيز مكانة مؤسسات دولة فلسطين المحتلة على الارض، كخطوة متقدمة في نقل عملية السلام من حالة الركود الى حالة الانعاش.
غير ان اي حراك سياسي جدي لعملية التسوية السياسية، سيكون غير قابل للتحقق ما لم تستخدم الادارة الاميركية والاتحاد الاوروبي وباقي الاقطاب الدولية سلاح العقوبات ضد دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. لان سقف نتنياهو ومن معه في الليكود بيتنا، لا يقبل القسمة على تسوية سياسية حقيقية. وبالتالي قد يقدم نتنياهو ، ان نجح في تشكيل الحكومة، على مناورة سياسية، عنوانها القبول الشكلي لخيار الدولتين كما حصل في العام 2009 في جامعة بار إيلان في حيفا، ثم اراجع عنه في الحملة الانتخابية الاخيرة، حتى ان إئتلافه لم يقدم برنامجا سياسيا نهائيا، وهي سابقة ملفتة للنظر لدى المراقبين السياسيين، وبعد ذلك يلجأ لسياسة المماطلة والتسويف، والعودة لفلسفة وخيار قتل التسوية السياسية.
رئيس دولة فلسطين المحتلة والفريق المفاوض، الذي وعد الادارة الاميركية، بعدم إتخاذ اية خطوات قد تؤثر سلبا على العملية السياسية، مطالب بمنح الادارة الاميركية في حلتها الجديدة، فرصة التحرك لاحداث تقدم حقيقي في عملية السلام، لان الهدف نقل القيادات الصهيونية المختلفة الى مرحلة الاستعداد لدفع ثمن واستحقاق عملية التسوية السياسية على اساس خيار الدولتين على حدود 67، لان ذلك يشكل نقلة نوعية في العملية السياسية والفكر السياسي الصهيوني، وينقذ المنطقة من حالة التدمير الذاتي نتيجة السياسات المعادية للسلام. زيارة الرئيس اوباما لاسرائيل، سيكون لها إنعاكاسات إيجابية على تشكيل الحكومة. اي انها ستعطي نتنياهو قوة في إستقطاب الكتل البرلمانية المختلفة. وهذا شكل من اشكال التعويض النسبية عن اللطمة القوية التي وجهها اوباما لنتنياهو، عشية الانتخابات للكنيست التاسعة عشر الشهر الماضي.
في كل الاحوال الافق السياسي مفتوح على الكثير من السيناريوهات، ولكن على المراقب السياسي الموضوعي، ان لا يذهب في حدود تفاءله بعيدا، حتى لا يصطدم لاحقا بالنتائج المؤلمة، لان القيادة والشارع الاسرائيلي مازالوا بعيدين عن خيار السلام.
a.a.alrhman@gmail.com