الأحمد يلتقي القنصل العام البريطاني لدى فلسطين    "هيئة الأسرى": الأسير فادي أبو عطية تعرض لتعذيب وحشي أثناء اعتقاله    سلسلة غارات للاحتلال تستهدف مناطق متفرقة في لبنان    رام الله: قوى الأمن تحبط محاولة سطو مسلح على محل صرافة وتقبض على 4 متهمين    أبو الغيط: جميع الأطروحات التي تسعى للالتفاف على حل الدولتين أو ظلم الشعب الفلسطيني ستطيل أمد الصراع وتعمق الكراهية    قوات الاحتلال تغلق حاجز الكونتينر شمال شرق بيت لحم    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم جنين لليوم الـ34    لليوم الـ28: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها    الاحتلال يقتحم قباطية ويجرف شوارع ويدمر البنية التحتية    الطقس: فرصة ضعيفة لسقوط الامطار وزخات خفيفة من الثلج على المرتفعات    الاحتلال يؤجل الافراج عن الدفعة السابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار    شهر من العدوان الاسرائيلي على مدينة ومخيم جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم وسط اعتقالات وتدمير واسع للبنية التحتية    الرئيس يصدر قرارا بتعيين رائد أبو الحمص رئيسا لهيئة شؤون الاسرى والمحررين    معتقل من يعبد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال  

معتقل من يعبد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال

الآن

صفقة الأعمى والمشلول - خيري منصور


تلك حكاية سمعناها في طفولتنا لكن مغزاها ظل زمناً طويلاً خارج وعينا، شأن كل الحكايات التي كانت تُروى للصغار كي يناموا، لهذا لم يفاجئني كتاب الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر الذي حمل عنواناً مضاداً هو “حكايات للأطفال كي يستيقظوا”، لأن مُهودهم في خطر، وثمة من يتربصون بمدارسهم وطباشيرهم وعظامهم أيضاً، وأذكر للمثال فقط أن حكاية تعليق الفأر الجرس في عُنق قط واحد لم تصمد كثيراً بعد أن تجاوزنا التنويمات، لأن ما حدث هو تعليق جرس واحد في عنق قط واحد، بينما ظلت ملايين القطط تتربص بالجحور بلا أجراس، أما حكاية الصفقة أو المقايضة بين الأعمى والمشلول فقد جاء الزمن المناسب لفهمها واستيعاب مغزاها البعيد ودلالاتها، وحين جلس المشلول على كتفي الأعمى ليسير به كانت قدما الأعمى مقابل عيني المشلول، فأحدهما يرى للآخر والثاني يمشي به، وما يحدث الآن من خلل جذري في بنية النخب العربية أو الإنتلجنسيا هو مقايضة من هذا الطراز فالمثقف مشلول، وما يكتبه ممنوع من الصرف وله الحق في أن يقول ما يشاء على المنصات في الندوات المغلقة أو على شاشات الفضائيات، لهذا يحتاج إلى أمي يقوده ويحمله على ظهره كي يوصله إلى الهدف رغم أن مفاجآت هذا النمط من الصفقات تُنذر من يقرأ عنها أو يسمع بها من التورط فيها، كما هو الحال في قصة العقرب الذي لدغ من حمله كي  يقطع النهر .
المثقف المقعد أو المشلول لا يعمل فيه غير لسانه، والأعمى الذي يحمله تقوده قدماه، والوضع الإنساني السوي أن يكون الاثنان واحداً، لكن القسمة غير العادلة في زمن المعادلات المقلوبة فُرضت مثل تلك المقايضات بين المشلولين والعميان، وحين يقال إن الحراك العربي في مكان ما بلا رأس أو قيادة يحتمل وجهين أولهما مديح والآخر هجاء، فالحراك بلا رأس لصالح الناس الذين سئموا من الزعامة وتكاليفها الباهظة سياسياً واقتصادياً ويراهن هؤلاء على أن يفرزوا الرأس عن كتلة الجسد، مقابل آخرين يرون أن جسداً بلا رأس قد يفقد البوصلة والاتجاه حتى لو كان عملاقاً أو مارداً .
لكن ما الذي أحدث هذه الهوة العميقة بين نُخب مشلولة وأمية وبائية تصل في بعض الأقطار إلى ستين أو سبعين في المئة؟
بحيث يضطر الطرفان إلى عقد الصفقة ليرى المشلول للأعمى، ويسير الأعمى بالمشلول؟
إن نقداً ذاتياً لتحولات ثقافتنا خلال القرن الماضي لم يحدث بعد، وما يحل مكانه هو سجال غالباً ما يكون بين طرشان، لأن كل طرف لا يسمع غير صدى صوته، وكل المجتمعات التي نمت وتطورت عضوياً لم تعرف مثل هذه القطيعة أو الطلاق البائن بين المثقف والأمي، لهذا كان علينا أن ننتظر نصف قرن منذ سمعنا تلك الحكاية كي نفهمها الآن، فكم سينتظر أطفالنا اليوم كي يفهموا ما يجري؟

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025