بسمه بلعيد تختار البنفسج لونا للحداد- نساء بلادي.. نساء ونصف- رفيقة محجوب
لقد شاهدنا، وشاهد العالم بأسره، السيدة والأستاذة بسمة الخلفاوي أرملة الفقيد تسمو على مصابها، وهو جلل، وتدوس على أحزانها وتخرج إلى شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، فيما دماء رفيق دربها المهدورة بالطريق العام لم تجف بعد.
خرجت تقود المظاهرات احتجاجا على اغتيال زوجها، وهي ترفع شارة النصر وتشحذ الهمم من أجل مواصلة مسيرة بلعيد والدفاع عن مبادئه التي دفع حياته ثمنا لها.
كما شاهدنا أرملة الفقيد تدلي بالتصريحات للقنوات الفضائية والإذاعات في الداخل والخارج لتشدد على أن أمامها العمر بأكمله لبكاء زوجها، ولكن الساعة تحتم عليها الوقوف إلى جانب مئات الآلاف من التونسيين الذين أعربوا تلقائيا يوم تشييع بلعيد الجمعة عن رفضهم للعنف الذي تردت فيه تونس نتيجة التصريحات المحرضة على العنف وعلى تقسيم الشعب إلى مسلم وحداثي في زمن بتنا لا نسمع فيه فتوى واحدة تحث على الجهاد الاكبر وهو العمل والبناء والسعي وراء الارتقاء بمجتمعاتنا إلى مصاف الدول المتقدمة.
بل نسمع فقط فتاوى تحط من قيمة المرأة وتذلها وتهينها إن أمكن من المهد إلى اللحد. فتاوى تردد صداها في الأشهر الاخيرة في تونس، وتمت استضافة بعض اصحابها رسميا في قاعة التشريفات في مطار تونس قرطاج، وتم توفير النزل من فئة الخمس نجوم لهم والسيارات الفارهة ليجوبوا المدن التونسية في مواكب تليق بكبار الضيوف. قدموا كما قال بعضهم فاتحين لأرض دخلها الاسلام ونمى فيها وترعرع وما يزال منذ أربعة عشر قرنا.ا
رأينا أيضا أرملة الشهيد تزغرد بالأمس عند خروج موكب زوجها باعتباره شهيدا للحرية والكرامة ورأيناها أيضا تختار ابنتها ذات السنوات السبع لتقود موكب جنازة والدها حتى وإن عاب كثيرون عليها إقحام هذه الطفلة في المأساة، إلا أنها تجسد استمرارية النضال الذي قتل من أجله والدها.
لقد شاهدنا الأستاذة بسمة الخلفاوي تعلق بالصوت والصورة على كلمة رئيس الوزراء التونسي المؤقت حمادي الجبالي التي أعلن فيها تمسكه باقتراحه تشكيل حكومة كفاءات وطنية بعيدا عن كل الاطياف والالوان الحزبية، وذلك فور انتهائها لتقول للمشاهد التونسي والاجنبي إنها تحتل الفراغ الذي تركه زوجها في مسيرة شعب بأكمله ثار على ديكتاتور وطرده من البلاد قبل سنتين ليقع في براثن أطراف تسعى إلى تغيير نمطه المجتمعي الذي عهده منذ قرون وتحيد به عن قيم التسامح والتعايش السلمي رغم تعدد الاعراق والأديان.
امرأة رفعت بتصرفاتها رأس كل تونسية تقف اليوم في وجه بعض المتاجرين بالدين للنيل من مكاسبها التي نعمت بها منذ اكثر من خمس عقود سيرا على خطى تونسيات بقين علامة مضيئة وفارقة في تاريخ بلادي وتاريخ المنطقة وهن كثر قد لا يتسع المجال لذكرهن لكن تدفعنا نضالاتهن من اجل الحق في العيش كامرأة تمثل نصف المجتمع وليس كعورة يجب حجبها عن الانظار وتحجيم دورها ليقتصر على الانجاب ليس اكثر في تصرفات لم يعد ينقصها إلا وأد الإناث.
هذه تحية إكبار سيدتي وهي أضعف الايمان لأشد بها على يدك مقدرة مصابك الجلل، يغمرني الخجل من نفسي لعجزي عن الوقوف إلى جانبك في هذه اللحظات العصيبة في حياتك وحياة الشعب التونسي الذي قام بثورة ادهشت العالم ولكنه يجد نفسه اليوم كسفينة في محيط هائج تتقاذفه الأمواج دون أن يرى في الافق اي بر للأمان.
______________________________________________________
وكانت صورة لأرملة المعارض التونسي المغتال شكري بلعيد حظيت بإعجاب الكثيرين بعد انتشارها على نطاق واسع في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اختارت بسمة الحلفاوي - بلعيد الخروج إلى شارع بورقيبة وسط العاصمة التونسية وهي ترتدي ملابس بنفسجية اللون ورفع شارة النصر وتحدي القتلة ، وذلك خلافا لنساء تونس، اللواتي يرتدين ألوان داكنة ويلبسن غطاء رأس حين يفقدن أزواجهن.
وقد اختارت بسمه بلعيد البنفسج لونا للحداد بكل ما ينطوي عليه هذا اللون من معان ودلالات وايضا من اجل التأكيد على تمسكها بمواصلة درب رفيق عمرها والدفاع عن كل القيم النبيلة التي عاش ومات من اجل الدفاع عنها.