مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

ما بعد المخاض- هاشم عبدالعزيز


نشرت صحيفة “هآرتس”، الأحد الماضي، تقريراً أعدته وكالة المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” عن حرب أكتوبر 1973 بين القوات العربية المصرية والسورية، وبين القوات الصهيونية التي أحدثت انقلاباً جذرياً على وطأة هزيمة حرب حزيران ،1967 وباتت واحدة من الأحداث العسكرية التاريخية التي يجري دراستها من جانب المختصين في الشأن العسكري الاستراتيجي في عالمنا بأسره، بخاصة تلك القدرة المذهلة للقوات المصرية في اجتياح “خط بارليف”، الذي ركن الصهاينة إلى استحالة الاقتراب منه، فكيف الشأن في تحطيمه وعبوره، وهو ما حدث بمهارة وإرادة عسكرية مصرية جمعت بين صدمة الذهول وبين انتزاع الإعجاب في الآن نفسه .
يشير التقرير الاستخباري الأمريكي إلى “فشل المخابرات الأمريكية في عدم توقع حرب بين “إسرائيل” ومصر وسوريا”، لكن معدي التقرير يعيدون السبب في ذلك إلى “تقدير الاستخبارات “الإسرائيلية” بعدم وقوع حرب” من جهة، وإلى نجاح الرئيس أنور السادات “في تضليل أمريكا و”إسرائيل”” من جهة أخرى، غير أن الجديد في التقرير أنه يظهر أن “إسرائيل” تمتلك مخزوناً نووياً “قد تكون استخدمته في حرب أكتوبر العام 1973” .
ومع أنه لم يُشر إلى تاريخ إصدار التقرير، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية ما أورده في شأن الاستخدام “الإسرائيلي” للسلاح النووي من جهة، ومن جهة ثانية توقيت نشر التقرير الذي يأتي في ذروة الحملات الصهيونية تجاه ملف المشروع النووي الإيراني، وهي الحملة المتواصلة لاستهداف هذا البرنامج بمزاعم أن إيران تعمل على إنجاز برنامجها النووي لطموحات عسكرية لا لأغراض سلمية، وهذه الحملة دعمتها الولايات المتحدة والدول الغربية التي أقدمت على إجراءات جماعية وأحادية ضد إيران، بخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والثروات النفطية، لكنها، وبخاصة إدارة أوباما، لم تتجاوب مع رغبة نتنياهو وأركان إدارته في الإقدام على ضربة عسكرية، والأمر يعود إلى حسابات أمريكية مختلفة لمترتبات وتداعيات مثل هذه العملية .
التقرير الذي يحدد امتلاك “إسرائيل” لهذا السلاح ويفتح سجل استخدامه، جاء نشره بعد أن عاد ننتياهو انتخابياً إلى البحث في تشكيل حكومته الجديدة، وهو عند خوضه الانتخابات، وضع استهداف البرنامج النووي الإيراني في أولويات برنامجه، ويستمرّ في إطلاق تهديداته بوتيرة عالية أثناء مشاوراته تشكيل حكومته .
الأهم أن نشر التقرير يتزامن وإطلاق نائب الرئيس الأمريكي دعوة إلى إيران لإجراء مفاوضات أمريكية  إيرانية في شأن البرنامج النووي الإيراني، وهذا أقرب إلى تحول أمريكي في أسلوب المواجهة .
هنا السؤال: ما الذي يعنيه نشر هذا التقرير في مضمونه وتوقيته؟ وعلى ماذا تقوم الدعوة إلى فتح مفاوضات أمريكية  إيرانية؟ بالنسبة إلى الشق الأول من السؤال: يحتمل أن يكون نشر التقرير داخل “إسرائيل” بمنزلة رسالة أمريكية إلى رئيس الوزراء الصهيوني وإدارته مفادها أن زمن الإفادة من الابتزاز “الإسرائيلي” للولايات المتحدة من تصعيد حملات التهديد للقيام بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، ضاق إلى أضعف حلقاته . والأمر هنا لا يعني أن تغيراً جوهرياً في الموقف الأمريكي من البرنامج النووي الإيراني قد حدث، المسألة هي أن الأساليب قد تتغير، وهذا، بحسب مراقبين، تعلمه “إسرائيل”، وبعض منهم يشير إلى أن التفاهم الأمريكي  “الإسرائيلي” في شأن الضربة الجوية “الإسرائيلية” على سوريا كانت في سياق هذا التفاهم .
“إسرائيلياً” الضربة قابلة لأن تكون تغطية لضجيج طاحونة التهديدات ضد إيران دونما نتيجة، والضربة إعلان جديد لطبيعة الكيان الصهيوني العدوانية، وهي تعيد إظهار القدرات “الإسرائيلية” على المستوى العسكري بعد تداعيات الفشل في جنوب لبنان وقطاع غزة .
أمريكياً تعدّ الضربة أقرب إلى رسالة متعددة الاتجاهات، إلى إيران، المدعوة أمريكياً في ذات اللحظة إلى المفاوضات، أشبه بتقديم العصا والجزرة مع إعداد الطبخة المراد إنجازها على نار هادئة، والضربة في توقيتها والمناورة العسكرية الروسية في البحر المتوسط، تعني أن الردع الروسي الذي قدر أنه موجه إلى القوات الأمريكية خاصة، وإلى احتمالات إقدام الدول الغربية على عملية عسكرية ضد سوريا، يصطدم بهذا الدور “الإسرائيلي” الذي هو أكثر وأكبر من وكالة، يرتبط بوظيفة “إسرائيل” بالاستراتيجية الأمريكية في هذه المنطقة .
أما بالنسبة إلى الشق الثاني من السؤال: فمند فترة غير قصيرة كانت هناك توقعات واحتمالات بإقدام الإدارة الأمريكية على رمي صخرة في بحيرة العلاقات الأمريكية  الإيرانية التي جمعت بين متناقضات التوتر والجمود وشدة العواصف، بهدف كسر الجمود وتهدئة العواصف الهائجة .
بالطبع يشير العديد من المراقبين إلى أن المبادرة الأمريكية إلى دعوة إيران للمفاوضات المباشرة على ملفها النووي، وعلى هذا النحو الانفرادي بعد أن ظلت تقود إجماعاً متماسكاً من حلفائها الأوروبيين، لا يعود إلى قناعات متغيرة، بل إلى ضرورات متزايدة دونما الخوض في تفاصيلها، إذ من بين طائفة أسباب داخلية وخارجية، هي في حاجة إلى الخروج من مستنقع هذه المنطقة الذي بدأ في العراق وامتد إلى أفغانستان، بما ترتب عليه من تداعيات مفتوحة المخاطر على مصالحها الهائلة في هذه المنطقة من جهة، وهي تحتاج إلى حشد ليس لإمكاناتها وحسب، بل إلى حلفائها ومن يمكن استقطابهم في التحييد أو المشاركة في مواجهتها المفتوحة في الشرق الأقصى تجاه الصين، وهذا ما يعدّه مراقبون الأولوية الأمريكية القائمة والمقبلة .
مع أن الوقت مازال مبكراً للحديث عن المفاوضات الأمريكية  الإيرانية لأن الدعوة بإطلاقها والتجاوب معها لا يمكن البناء عليها من دون أن يكون ذلك يرتبط بخطوات عملية، ولأن الأحداث والتطورات متسارعة، من غير المستبعد أن تصير المبادرة رغم أنها مطروحة على قادم الأيام، متخلفة .
بيد أنه من المناسب القول إن ثمة ارتباكاً قد تكون له مظاهره وفي الأغلب تداعياته لا في المشهد، وإنما أيضاً في الوضع الذي تصدرته الولايات المتحدة تجاه إيران، ومن هذا الارتباك تبدو الأمور في نظر قاصرين عن فهم اللعبة، كما لو أن الولايات المتحدة بلغت قناعة عدم جدوى الأساليب المتبعة ومنها المقاطعة وهي حقاً كذلك، لكنها لا تذهب إلى النقيض، بل إلى ما يمكن القول البديل في سياق استمرار المواجهة المفتوحة بالأساس على قضايا عدة متفجرة وملفات مفتوحة في شؤون هذه المنطقة .
والمسألة التي تهم دول المنطقة ليس تجنب الوقوع في مثل هذا الارتباك وحسب، بل تجنب أن تكون هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية في ثغرات من هذا التلاعب، وهذا لن يكون بغير علاقات جوار صحية وصحيحة، والطريق إلى هذا الوضع يقع على عاتق الجميع، لأن المصالح والمسؤولية مشتركة .


 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024