الاستبداد أو الخراب - فؤاد ابو حجلة
ليس صحيحا أن الولايات المتحدة قلصت فعلها السياسي والعسكري خارج حدودها في عهد الرئيس باراك حسين أوباما، ومن يتابع ما يجري في المنطقة العربية وفي مناطق أخرى في العالم يلمح البصمات الأميركية الواضحة في معظم، إن لم يكن كل المواجهات المحتدمة في بؤر التوتر السياسي والعسكري والأمني.
لم يتغير شيء غير الأسلوب، فالأميركيون الذين كانوا في المراحل السابقة يخوضون حروبهم بجيوشهم وبتدخلهم المباشر وراء البحار بدأوا بتحريك حلفائهم وأدواتهم لإنجاز الأهداف المرحلية والبعيدة المدى للسياسة الأميركية.
يتجلى هذا الواقع بصورة مؤذية في الربيع العربي، ومن يرصد التحولات في بلاد الربيع يستطيع تلمس العبث الأميركي في قصور الحكم وفي الساحات والميادين في الكثير من العواصم العربية، ولعل ما يجري في تونس ويتكرر بشكل ملفت في مصر يؤكد ما نذهب إليه في هذه القراءة للمشهد الربيعي المحير.
تبدو تونس التي أشعل "عزيزها" شرارة ربيع العربي وكأنها حقل تجارب أميركي للخطوات السياسية وتجلياتها الميدانية، وتبدو مصر التي يصر "عزيزها" على المضي حتى النهاية في مشروع التغيير الذي لم يغير شيئا، وكأنها تكوين سياسي ومجتمعي يلتقط الاشارات التونسية ويعيد انتاجها في سياق نسخي ممل يبقي الحال على ما هو عليه، وينزع الدسم من الشعار، وينقل الجموع من حالة الاقتراب من الانفجار الى حالة التعايش مع اللايقين ومع الضبابية التي تغلف الحاضر والمستقبل.
لم يخرج الأميركيون من المشهدين العربي والشرق أوسطي، ولا توجد إدارة في واشنطن قادرة على اتخاذ قرار بالانسحاب السياسي من هذه الجغرافيا المتفجرة، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع استبدال روافعها الشرق أوسطية بأخرى من أي جهة في العالم.
الأميركيون يقطفون ثمار الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسيقطفون ثمار هذا الربيع في سوريا وفي اليمن وربما في دول أخرى. وواشنطن تتمسك بفوضاها الخلاقة لأنها لا تحتمل نتائج الاستقرار في بلادنا.
ستواصل الولايات المتحدة دعم الجرائم الاسرائيلية في فلسطين، وستستمر في تأهيل البديل المضمون للنظام السوري وستواصل دعم حلفائها الاسلاميون حتى تحين ساعة استبدالهم بالعسكر.. وسيظل كل شيء أميركيا من علبة السجائر إلى رئيس الدولة.