الإخوان" والحقيقة العارية"- فيصل عباس
منذ وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، حبس المراقبون أنفاسهم منتظرين أن تتجلى الصورة وتتضح النوايا، وازدادت الأسئلة عقب اتضاح وجود مساعٍ لتجميع السلطة في يد الرئيس محمد مرسي منذ فوزه كمرشح الإخوان المسلمين في الانتخابات الديمقراطية التي جرت بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011.
لكن كل تلك التساؤلات تبددت خلال هذا الأسبوع عندما انتشر مقطع فيديو عن عنف الشرطة المصرية، قيل إنه تم تسجيله يوم الجمعة الماضي. ويظهر التسجيل عناصر الشرطة وهم يجردون شاباً - اسمه حمادة صابر - من ثيابه، ويبرحونه ضرباً من دون شفقة أمام القصر الرئاسي.
لا سبب للاحتفال
وكان المصريون عادوا إلى الشوارع منذ 25 كانون الثاني/يناير، لمناسبة مرور سنتين على انطلاق الثورة التي أنهت 30 سنة من حكم حسني مبارك، لكن سرعان ما تبين أن التجمهر لم يكن للاحتفال، بل لقيادة حركة احتجاجية جديدة، فالاقتصاد تدهور، والظروف المعيشية ساءت، وحال الطوارئ عادت تتحكم بحركة المواطنين، والحكم لا يبدو مهتماً إلا بخدمة الحزب الحاكم (وإن تغير اسمه اليوم ليصبح الإخوان المسلمين)، أو بمعنى آخر فقد عاد الوضع إلى المربع الأول في مسيرة استعادة الوطن.
بعد انقضاء ثمانية أشهر في الحكم، لا يمكن للإخوان المسلمين أن يتباهوا بإنجازاتهم (إذا استثنينا افتتاح أول مقهى "حلال"، يمنع فيه الاختلاط بين الرجال والنساء، كما تمنع فيه الموسيقى).
لكن، والحق يقال، الإخوان نجحوا فيما كان قد يكون مستحيلاً لمعظم الناس، فالأمر يتطلب قدرات فذة في مجال هدر الفرص وتضييعها كي يتمكن أي أحد من عدم الاستفادة من استعداد العالم لدعم نهضة مصر الجديدة وازدهارها.
ومن غير المفاجئ أن العديد من اللاعبين الدوليين باتوا مترددين في تقديم أية قروض مالية تحتاج إليها مصر بشدة حتى تتمكن من الوقوف على قدميها. صحيح أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عرض تقديم قروض مالية لمصر، لكن ذلك سيكون بمثابة "قبلة الموت"، حيث إن كل "مساعدة" تقدمها إيران لأي دولة تعني أمراً واحداً، وهو أن تلك الدولة باتت معزولة، ولم يعد لها من ينقذها من عزلتها.
موقف موحد
هذا لا يعني أن المصريين كانوا على خطأ في اختيارهم المسار الديمقراطي، ولا يمكن أن يعني أنه علينا أن نرفض حق المصريين في اختيار ممثليهم الذين اختاروهم نتيجة انتخابات ديمقراطية، ومع ذلك، فإنه لا يجوز أن نتغاضى عن الحقيقة وننسى أن ثورة 2011 لم يبدأها الإخوان ولا هم قادوها، لكن، وفي غياب كيان معارض واضح للاستفادة من انتصار هذه الثورة، لم يجد الإخوان من ينافسهم على قطف ثمارها.
كما أنه، وبسبب التجاذبات السياسية الداخلية، عندما حان موعد الانتخابات في عام 2012، وجد المصريون أنفسهم بين المطرقة والسندان، ولم يبق أمامهم سوى أن يختاروا بين مرشحين: واحد من الإخوان المسلمين، وآخر مرتبط بالنظام السابق.
بينما يمكن قول الكثير في انتقاد الإخوان المسلمين، لا بد من إبداء الإعجاب بحسن تنظيمهم، حتى إنه بدا واضحاً منذ بداية الثورة أن الإخوان المسلمين هم الأكثر استعداداً للاستفادة من انتصار الثورة المصرية.
يبقى على المعارضة الليبرالية أن تتحد خلف سياسي محنك وقوي، ويجب أن يتم ذلك اليوم قبل الغد، فإنه من دون قيام معارضة معافاة وقوية ومتماسكة، لن يتوقف المشهد المصري عند صورة معارض واحد يتم جره عارياً في الشارع، بل يمكن أن يمتد إلى البلد كله.