تبادل أدوار- فؤاد ابو حجلة
مثير للسخرية ما يجري في دول الربيع العربي، ولعل وقائع التحول الوهمي في سياسات دول الربيع تصلح فقط للكاريكاتير السياسي الذي يعتمد المفارقة الموجعة ويجمع بين الضحك والبكاء في مشهد واحد.
لا يحتاج المرء أن يعيش في تونس أو في مصر أو في ليبيا ليرى هذه المفارقات التي يمكن رصدها في نشرة أخبار على شاشة فضائية إخبارية تحولت بدورها وبحكم انحيازها الذي صار معلنا للمشروع الأميركي الى شاشة متخصصة في الكوميديا السوداء.
كل ما تم في دول الربيع هو تبادل الأدوار بين الضحية والجلاد، فقد صار الضحايا الذين سطوا على الثورات جلادين يقمعون ضحاياهم الجدد باسم الدين وباسم الثورة وباسم الشرع والتشريع والقانون والقضاء والدساتير الجديدة المحشوة بمواد تعزز سلطة الحاكم وتحميه من المساءلة عن أي شيء في حاضر ومستقبل البلاد والعباد.
لم تنتج الثورات التي فجرها الأنقياء في شوارع العرب تغييرا حقيقيا يمكن الاعتداد به والبناء عليه، بل "انتهت المهمة" بترسيخ القمع منهجا في الحكم حتى وإن تغير الحاكم، وتعزيز التفرد والاستحواذ على السلطة، بل وتقسيم المجتمعات الثائرة إلى قبائل سياسية متناحرة تعتمد الثأر عقيدة ومنهجا وطريقا لا بديل له في تصفية الحسابات مع الآخر، حتى وإن كان هذا الآخر شقيقا وشريكا في عذاب ما قبل الثورة.
في تونس يكشر الاسلاميون عن انيابهم لاغتيال ما تبقى من مجتمع مدني أنهكته الضربات الأميركية وسياط أصدقاء واشنطن في زمن بن علي وعملاء واشنطن في زمن النهضة وغنوشها الذي يعتقد أنه فتح البلاد وحمل الاسلام الى ربوعها. وفي مصر ينتقل الاخوان المسلمون من حالة كلمة الحق أمام السلطان الجائر الى حالة تكفير من لا يطيع أولي الأمر، وفي ليبيا يقرر الثوار الاحتفال بذكرى ثورتهم باغلاق الحدود الليبية مع مصر وتونس!
مشهد مثير للسخرية، لكنه واقع مر، وما أراه أكثر مرارة هو ما تقدمه فضائية عربية تسيدت المشهد الثوري في سنوات الجمر، وتحولت إلى شاشة خالية من الاحتراف والاحترام في مرحلة الربيع.
لا أصدق شيئا مما يقال، وكذلك سائق التاكسي والعامل في مطعم الفلافل والطبيب الذي يخلع طواحيني وماسح الاحذية القابع بصندوقه الصغير على رصيف الثورة.
إنها المأساة العربية التي تعيد انتاج ذاتها وهو الاستفزاز الذي يؤكد أن الشعار الوحيد الصالح لهذه المرحلة هو "غطيني يا صفية".