لا توبخ الحصان.. ولا القرد- سمير عطا الله
ألاحظ من بعض الطروحات في الصحف العربية أن «تأديب» تلامذة المدارس، لا يزال مثار جدل: هل يضرب التلميذ؟ هل يقسى عليه؟ هل يؤنب؟ ما الطريقة المثلى؟ لا أعرف ما الطريقة الأفضل، لكني واثق من أنها ليست التوبيخ ولا التأنيب ولا «الفلق» الذي كان يتحدث عنه أدباء مصر ولبنان القدامى.
القسوة على الأطفال حسمت في روما وبلاد الإغريق منذ ألفي عام على الأقل: لا توبِّخ التلميذ أمام رفاقه.. لا تجعله يشعر أنه جاهل بالنسبة إلى الباقين. ويقول أحد مفكري روما إن المدرِّب الخبير لا يخيف المهر بالضربات المتتالية، لأنه سوف يزداد عنادا. كذلك يفعل الصياد الماهر مع كلابه؛ إنه لا يبالغ في توبيخها ولا أيضا يطلق لها العنان تذهب في البرية حيث تشاء. الشيء نفسه ينطبق على مواشي الفلاحة: ألا يكفي النير حول أعناقها؟ لماذا لا تكف عن همزها والصراخ عليها؟
لا شيء يعالج بالغضب، بل الطبع (أو العقل) الغاضب هو الذي يحتاج إلى علاج. الغاضبون تنقصهم المعرفة، وليس فقط المشاعر، لأن في طبيعة الرجل الغاضب لا مكان لأحد سواه، ولا رأي آخر سوى رأيه.. لا علم بالغضب. يروي الشاعر والزميل فهد عافت أنه اقتنى في مرحلة ما بعض الطيور كالطواويس، وقردا صغيرا وكنغرين؛ أنثى وذكرا.
رفض الكنغران الحياة في خارج بيئتهما وماتا غمًّا.. وأنثى الطاووس كانت تناقر الجميع ببلاهة وخيلاء أثناء وقت الطعام، أما الذكر فكان على كِبر ينتظر انتهاء الجميع من العلف ثم يتقدم.. وأما القرد فكان قردا: إذا ما وبخه أهل الدار تسلل إلى الخزائن يسرق أحذيتهم ويخفيها.. ولن يعيدها، ضاحكا، إلا بعد ملاطفته.
رويت قبل سنوات حكاية عامل مصري في بيروت يؤنب ابنه الصغير بسبب بطئه في العمل. توقفت وعاتبته، فشكا أن الولد يكثر من الشرود. قلت له لو كان في سنك لأكثر من ضرب ابنه. ثم شعرت بالندم.. أب مسكين يطارد رغيفه وابن مسكين تطارده طفولته، فما دخلي في الأمر؟ هل كان ينقص الأب عقدة ذنب أخرى؟ ما شأني أن أتوقف لأعطي الرجل درسا في التربية؟ وقد كان درسا لاغيا في أي حال، لأنني أديته بغضب وانفعال.
عندما ولد ابننا في لندن فوجئنا بمندوبة المجلس البلدي تزورنا.. إنها تريد التأكد من أننا نعرف كيف نربي مولودا ونعتني به. ومثل كل شرقي شعرت بالإهانة، فمن تكون هذه المرأة لكي تعلمنا كيف نعتني بابننا؟ إنها مندوبة دولة القانون، وهي لا تعرف من أنت وماذا أنت.. تعرف أن طفلا ولد وقد يحتاج أهله إلى إرشاد.