الماضويون - محمود ابو الهيجاء
في معرة النعمان الشامية، أطاح السلفيون والأصوليون من الاحزاب الاسلاموية وجماعاتها، التي باتت تتكاثر كالفطر بين أحراش الواقع الراهن ومستنقعاته، اطاحوا برأس ابي العلاء المعري، الذي لم تشفع له رسالة الغفران، نظراؤهم في مصر اطاحوا برأس طه حسين " الازهري " وعند تمثال ام كلثوم اصابهم الخجل قليلا فنقبوا وجه السيدة.
سنتذكر هنا طالبان والمجزرة التي ارتكبوها ضد انصبة التاريخ الافغاني وسنتذكر أيضا، أولئك الذين اطاحوا برأس ابي جعفر المنصور في بغداد كتسوية حسابات طائفية بأثر رجعي ضد الخلافة العباسية التي انهت هيمنة الفرس على الدولة العربية أيام هارون الرشيد.
الاسلاميون على ما يبدو على مختلف مسمياتهم ضد التاريخ، ماضويون على نحو خالص البداوة، انتقاميون كلما تمكنوا بما يؤكد ان مشاريعهم تظل أبداً مشاريع فئوية وماضوية بكل ما في الكلمة من معنى.
ولأن التاريخ هو الرواية التي يصعب طمسها بل يستحيل نفيها، ستظل هذه الاعمال المتطرفة والارهابية بحق، أعمالا عبثية ولا جدوى من ورائها، أعمالا ارى ان التاريخ بحد ذاته يريد بها تأكيدا على سلامة مسيرته بحتماياتها التي ترفض دائما العودة الى الوراء، وان هذه الاوقات التي يدعها ممكنة لاعمال من هذا النوع فانما هي اوقات سخريته المريرة من الواقع الراهن.
ولهذا أسمع التاريخ وكأنه يقول الآن: هذا زمن الضحك من شر البلية، زمن الضحك المر الأقسى من البكاء والاشد حرقة منه.
وحين تكون هذه الاحزاب وهذه الجماعات ضد التاريخ فانها ايضا ضد الثقافة والمعرفة والفن، وهي تستهدف أبرز رموزها، فأي مستقبل ينتظر هذه الامة مع جماعات هذا هو ديدنها.
سنظل نقرأ أبا الاعلاء المعري وطه حسين وسنواصل السمع لأم كلثوم ولن ننسى أبدا مجد الدولة العباسية بغيماتها التي كانت أينما تذهب، يعود خراجها الى خزينة الدولة، سنواصل هذه الصلة بالتاريخ، ونحن أدرى ان التراث بستان زاهر ونعرف كيف ننتقي منه اجمل الوردات ولن نجعله ابدا ذلك المعتقل الذي يريدنا السلفيون والاصوليون، باسلمة السياسة، ان نكون فيه الى أبد الآبدين.