على حافة الحرب-فيصل جلول
شكل الإعلان عن زيارة باراك أوباما إلى “إسرائيل” في النصف الثاني من مارس/آذار المقبل، وفي غُرّة ولايته الثانية، مفاجأة حقيقية لمتابعي العلاقات الأمريكية - “الإسرائيلية”، وما انفك البحث متواصلاً في دوافع هذه الزيارة وهدفها أو أهدافها وتوقيتها ونتائجها المحتملة .
معروف أن الرئيس الأمريكي امتنع عن زيارة “إسرائيل” خلال ولايته الاولى لأسباب متعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط، ورفض “إسرائيل” تعهداته المعلنة للفلسطينيين والعرب بجعل حل الدولتين حقيقة واقعة قبل نهاية ولايته . فهل صارت هذه التعهدات ممكنة خلال ولايته الثانية؟ وهل ضعفت قدرة “إسرائيل” على الممانعة بعد إخفاق بنيامين نتنياهو في الفوز الكاسح في الانتخابات الأخيرة وازدياد حاجته إلى كتل وسطية مؤيدة لعملية السلام من أجل تشكيل حكومته المقبلة؟ هل تتمحور زيارة أوباما على القضية الفلسطينية والصراع العربي - “الإسرائيلي”، أو على الملفين السوري والإيراني؟
لا تتوافر إجابات حاسمة وقاطعة عن هذه الأسئلة، لكن ذلك لا يحول دون استشراف فرضيات قريبة من الواقع والبداية مع الموضوع الفلسطيني، حيث تفيد تصريحات الناطقين الأمريكيين أن أوباما لا يحمل معه إلى “تل أبيب” مشروعاً للسلام في الشرق الأوسط، وأنه لا اقتراحات لديه في هذا الشأن، وبالتالي سيستمع فقط إلى الطرفين الفلسطيني والصهيوني وكأنه لم يستمع من قبل ولا يعرف تفاصيل هذا الملف وتعقيداته .
ثمة من يعتقد أن هذه التصريحات ذات طابع تكتيكي والغرض منها مساعدة رئيس الحكومة الصهيوني على تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات بعيداً من الضغوط الأمريكية، في حين يرى بعض آخر أن أوباما لا يستطيع التنكر لتعهداته السابقة في موضوع الدولتين، ولا يستطيع أن يمر على رام الله ومن بعد على عمّان، للقول لمضيفيه إنه يزورهم للتباحث معهم في ملفات أخرى غير الملف الفلسطيني .
جملة القول في هذا الجانب إن أوباما لن يلتزم الصمت في الموضوع الفلسطيني، ولن يبارك مشاريع الاستيطان الصهيونية في الأراضي المحتلة، ولكنه بالمقابل لن يمارس ضغوطاً كبيرة على نتنياهو من أجل تجميد الاستيطان والالتزام بأجندة مفاوضات مع الفلسطينيين تفضي إلى بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة خلال فترة زمنية قصيرة . بكلام آخر يمكن القول إن التطورات السورية والإيرانية باتت تحتل مرتبة أولى في الشرق الأوسط، وإن كل تقدم في اتجاه حل القضية الفلسطينية مشروط “إسرائيلياً” وأمريكياً بطبيعة البيئة المحيطة ب”إسرائيل”، وما دامت هذه البيئة غير مستقرة وغير واضحة المعالم، فمن غير المحتمل أن يتقدم الطرفان بمشروع حل نهائي واضح المعالم للقضية الفلسطينية، أو حتى بأجندة مفاوضات تضع حداً للجمود القائم في هذا الملف منذ أكثر من سنتين .
وإذا كان الملف الفلسطيني لن يحتل الأولوية في هذه الزيارة، فإن التطورات السورية والملف الإيراني تشكل محور الزيارة بحسب التصريحات الرسمية الأمريكية و”الإسرائيلية” معاً، فما الذي يريده أوباما من الكيان الصهيوني في هذين الموضوعين؟
لا يحتاج المراقب إلى جهود جبارة كي يكتشف أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للتدخل غير المباشر في النزاعات الإقليمية، تحتاج إلى شبكة من الأقاليم التي تشكل قواعد انطلاق ومحاور توكل إليها واشنطن التدخل سلباً أو إيجاباً في هذا النزاع أو ذاك، ويصح هذا الأمر على إثيوبيا وأوغندا كما يصح على باكستان وتركيا . . إلخ . ولعل “إسرائيل” هي النموذج المطابق تماماً لهذه الاستراتيجية، نظراً إلى العلاقات العضوية التي تربط بين البلدين، وبالتالي ما كان ممكناً لأوباما أو أي رئيس أمريكي آخر، أن يستسلم لترف “الخلاف” مع نتنياهو على الملف الفلسطيني ويمتنع عن زيارة “إسرائيل” لتنسيق السياسة المشتركة الواجب اتباعها في الملفين السوري والإيراني، ولتوفير الدعم القوي للدولة العبرية في ظروف تعدّها واشنطن ويعدها العالم بأسره مصيرية .
ما من شك في أنّ أولوية الملف السوري والإيراني على الملف الفلسطيني صارت من ثوابت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، الأمر الذي تجسّد بقوة في الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة التي تدور عادة تحت سقف السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط . ولعل انتخاب نتنياهو مجدداً لرئاسة الوزراء يفصح عن هذا التغيير في الأولويات الأمريكية، وعن فرصة “إسرائيلية” ذهبية للابتعاد عن حل الدولتين وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، إلى أن تتعذر التسوية في نطاق أراضي 67 ويجري البحث عن حل خارج هذا النطاق .
يبقى السؤال عن الخيار الأمريكي - “الإسرائيلي” في الملفين السوري والإيراني؟ حرب أم ضربات عسكرية موجعة أو استباقية؟ أم ترقب وضغوط نفسية ومعنوية، أم غير ذلك؟
أكبر الظن أن أوباما لن يتردد في تنسيق استراتيجية عمل مشتركة مع نتنياهو تضم العناصر المذكورة .
بالمقابل يمكن القول إن ما يبدو مصيرياً بالنسبة إلى أوباما ونتنياهو، هو أيضاً بالنسبة إلى سوريا وإيران، وهذا يعني أن أصوات المدافع قد لا يتأخر دويها خارج سوريا، وأن ربيع هذا العام لن يكون وردياً تماماً .