الغاز والغازات- فؤاد ابو حجلة
دخل العرب منذ سنين عصر الغاز، وتغيرت سياسات كثيرة تحت تأثير الغاز وحاجة الدول إليه، وما كان الانسان يشكو منه ويزعجه (ويزعج المحيطين به أيضا) صار مطلبا للحكومات التي تجهد في توفير الكميات المناسبة من الغاز لمصانعها ومحطات وقودها ومولدات كهربائها وأفران مطابخها.
في عصر الغاز العربي يكتشف الانسان أهمية هذه الثروة التي تتجلى في شوارع العرب المضاءة مثلما تتجلى في مطابخهم العامرة بكل ما يرفع الكولسترول ويخفض مستوى الذكاء.
لكن أهمية الغاز تتجاوز الشارع والمطبخ لتؤثر بشكل حاد في القرارات السياسية وفي القرارات السيادية للدول المستقلة المستهلكة للغاز والمنتجة له. وقد تغيرت تحالفات بينية عربية كثيرة تحت تأثير الغاز الذي يبدو أن له آثارا جانبية قوية تندرج في سياق «حكمة الغاز».
هناك أيضا تأثير آخر للغاز على الاعلام العربي الذي يعاني من الغازات، وهناك منابر اعلامية قوية وممولة بالغاز وتعتمد على رعاية شركات الانتاج الغازي للانتاج الاعلامي، وخاصة في البرامج التي نشم فيها رائحة الغاز المخدر للعقل والمنوم للضمير.
ما الذي تفعله الدول بالغاز؟ وكيف تصبح هذه السلعة الضارة طبيا ثروة قومية تعتد بها الدول وتسعى للحفاظ عليها بل وتفخر بامتلاكها؟
في الواقع، يمكنني بذكائي الفطري أن أدرك قيمة الغاز حين أدفع ثمن اسطوانته السحرية لكي استطيع تشغيل البوتوجاز في المطبخ، وحين أستطيع السير في شارع مضاء ليلا، وحين أستقل سيارة أجرة تعمل بهذا النوع من الوقود، لكن كل ذلك ليس مصدر فخر الدول بامتلاك الغاز وحرص دول أخرى على شرائه.
في تقديري يكمن السبب الرئيس للفخر العربي بالغاز في آثار هذه المادة السحرية على مآقي العيون العربية في الشوارع المنتفضة من أجل الحرية، وقد رأيت في أكثر من بلد عربي ما يفعله الغاز المسيل للدموع بالمشاركين في الاحتجاجات المبكية.
الغاز ثروة قومية للحكومات العربية والغازات منتج متفرد للاعلام العربي.