الاستقالة المرفوضة-عادل عبد الرحمن
تقدم وزير المالية، د. نبيل قسيس باستقالته لرئيس الوزراء، د. سلام فياض نتيجة شعور بعدم التمكن من مواصلة أداء المهمة الموكلة له، لعدة إعتبارات، منها: اولا تفاقم العجز في السيولة الواردة لخزينة الوزارة؛ ثانيا؛ تعاظم الازمة المالية الخانقة، وعدم تمكن الوزير والوزارة من الوفاء بالاستحقاقات المترتبة عليها وخاصة في فاتورة الراتب؛ ثالثا عدم تفهم واستيعاب النقابات لعمق الازمة، وتمثل ذلك بمضاعفة الضغوط على الوزارة والحكومة عموما؛ رابعا شعور د. نبيل قسيس، بانه لا يملك الصلاحيات الكاملة المفترضة في وزارته؛ خامسا إحساس الوزير بوجود تدخلات غير مبررة في هيكلية الوزارة.
الازمة كما يعلم الجميع سابقة على تسلم الدكتور نبيل الوزارة، ولكنها مع إستلامه لمهماته قبل ثمانية أشهر تفاقمت، وازداد العجز في الايرادات، وتضاعفت العقوبات من إسرائيل والدول المانحة بعد إصرار القيادة على التوجه للامم المتحدة، والحصول على مكانة دولة مراقب في الامم المتحدة، ولم يف العرب بتسديد التزاماتهم على المستويين، كونهم جزء من الدول المانحة، عدم وفاءهم بما التزموا به، لتأمين شبكة أمان بمقدار مئة مليون دولار شهريا كاشقاء، فضلا عن التهرب الضريبي داخل اراضي دولة فلسطين، وتواطؤ قيادة الانقلاب في غزة مع الاحتلال الاسرائيلي ، من خلال عدم تحويلها للفواتير الضريبية، التي تقدر المقاصة الناتجة عنها بمقدار المئة وسبعين مليون دولار.
هذا الوضع بالاضافة لما ورد اعلاه من إحساس الوزير الشخصي، بان هناك من يزاحمه الصلاحيات داخل الوزارة، دعاه لوضع الاستقالة امام الدكتور فياض. والملفت للنظر، التسرع في الاعلان عن تقديم الوزير لاستقالته قبل محاورته، والحؤول دون الاصرار عليها، لان إستقالته تفتح الافق على تداعيات اوسع قد تطال الوزارة برمتها.
ولادراك الرئيس محمود عباس ابعاد الاستقالة على اكثر من مستوى وصعيد خاص بالحكومة، رفض قبول إستقالة الدكتور نبيل، وأصر صاحب الولاية والسيادة الاول في الدولة الفلسطينية على عدم قبول الاستقالة. وتم إقناع قسيس بالتراجع عن موقفه، مع وعد بتقديم كل الدعم له في مهمته.
مع ذلك على الوزير قسيس، ان لا يتوقع بالانفراج للازمة المالية، لاسيما وان هناك عوامل عضوية تدخل في صلب الازمة، لعل ابرزها الاحتلال الاسرائيلي؛ واستمرار العمل باتفاقية باريس المشؤومة؛ وعدم تسديد حكومة إسرائيل اموال المقاصة بشكل دوري؛ وعدم وفاء الدول المانحة بالتزماتها المالية المستحقة لموازنة دولة فلسطين ؛استمرار الانقسام والانقلاب؛ ومواصلة سياسة التعيينات في الوزارات المختلفة وليس فقط وزارتي التربية والتعليم والصحة ... إلخ من العوامل المعوفة للوزير.
لكن على الدكتور نبيل ان يوسع من طبيعة رؤيتة للازمة، فالازمة لا تكمن في العلاوات الخاصة بالموظف، لانها على ما تأخذه من الموازنة، تبقى الاقل، ولان الازمة ابعد واعمق مما يُّصر عليه قسيس. كما ان التكافل بين الحكومة والموظف لا تتمثل بانتزاع اجزاء من راتبه، الذي تىكل اكثر مما يجب مع الغلاء وقيمة صرف الشيكل مقابل العملات الاخرى، التكافل يتم بتضامن الموظف والنقابة مع الحكومة في حال حصل عجز، ولم تتمكن الوزارة من الوفاء بتسديد فاتورة الراتب، والكف عن سياسة لي الذراع من خلال الاضرابات المتواصلة، لان العجز يقف وراؤه الاحتلال الاسرائيلي لا الحكومة ولا وزير المالية.