حكم العسكر- فؤاد ابو حجلة
بدأت ثورة المصريين في ربيع المحروسة بالمطالبة باسقاط حكم العسكر، وتواصلت الثورة ذاتها بشعارات كثيرة وكبيرة كان آخرها المطالبة بتدخل العسكر وعودة حكمهم! وقد رأيت الكثيرين ممن انقلبوا بواقعية مرة على ذواتهم المثالية، وانتقلوا من "النضال ضد المجلس العسكري" إلى الدعوة العلنية لتدخل الجيش لإعادة الأمن والطمأنينة إلى شوارع مصر وإعادة الهيبة إلى الدولة، ولم يكن هؤلاء من المتظاهرين في ميدان التحرير فقط بل إن الحكم الجديد، أي جماعة الاخوان المسلمين التي شارك قادتها وأعضاؤها في "النضال لاسقاط حكم العسكر" عرضت تسليم الأمن في مدن القناة إلى الجيش بدلا من الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية التي يدرس الحكم سحبها من بورسعيد والسويس والاسماعيلية!
من الواضح أن هناك اتجاها متصاعدا في مصر يدعو لعودة العسكر إلى الحكم وهو اتجاه يعبر عنه بعض المعارضين لحكم الاخوان وبعض المناصرين للجماعة على حد سواء للخروج من حالة الفوضى الخلاقة التي تعيشها البلاد، وتتزايد أعداد الدعاة لعودة العسكر كل يوم وفي كل مناسبة يسال فيها الدم بمواجهة سياسية تعبر عن نفسها بالعنف أو بجريمة مدفوعة بالجوع.
ما يجري في مصر لا يختلف عما يجري في تونس، ولن يكون حال سوريا مختلفا بعد اسقاط النظام من الخارج بأدوات محلية مسنودة بمتطوعين منخرطين في مشروع الفوضى الخلاقة، وسيأتي يوم يعض فيه المعارضون السوريون ما تبقى من أصابعهم ندما على التورط في مشروع تدمير الدولة تحت شعار اسقاط الطاغية.
سقط حكم العسكر في العراق فانهارت الدولة وتقسمت، وسقط حكم الطاغية المدعوم بالعسكر في طرابلس فصارت ليبا ليبيات كثيرة ومتناحرة، وسقط حكم اللص المدعوم بالعسكر في تونس فصارت الخضراء جرداء في تصنيف الحريات.
ليس هذا دفاعا عن العسكر وعن حكمهم ولا هو حنينا الى الطغاة وغبائهم في الحكم، بل هو اقرار بواقع الحال، وهو اقرار لا يتجاوز حقيقة وجود عسكر أغبياء في الحكم في بلاد تقسمت بقراراتهم "الحكيمة" ولعل السودان نموذج حي على موت الضمير العسكري في النظام العربي.
بطبيعة الحال يظل العسكر وحكمهم القمعي في بلاد العرب دلالة تخلف وارتباط بالأجنبي وتزوير للكرامة الوطنية، لكن هؤلاء، أي العسكريين العرب الذين يقتلون شعوبهم دفاعا عن الطغاة يستطيعون لو أرادوا أن يحققوا الديمقراطية وأن يصونوا الحريات في بلادهم، وأن يساهموا في تطور هذه البلاد مثلما يفعل العسكر الذين يحكمون أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ومن يظن أن هذه القوى الكبرى يحكمها المدنيون يخطئ في قراءة الواقع الذي يؤكد أن البنتاغون والسي آي ايه يحكمان أميركا، والجيش الروسي وجهاز المخابرات الاتحادي يحكمان روسيا والمخابرات البريطانية تحكم المملكة المتحدة (متحدة بقرار عسكري) وكذلك تفعل المخابرات الفرنسية التي تحفظ سياق السياسة الفرنسية سواء كانت أغلبية الحكم من الاشتراكيين أو من اليمين الجمهوري.
العسكر يحكمون الدول الكبرى ويحمون شعوبها، وعسكرنا يحكموننا ويحمون الطغاة.. هذا هو الفرق الوحيد.