طبيخ النور- فؤاد ابو حجلة
أعترف بداية بأنني معجب بالنور لأنهم استطاعوا كسر قيود الحدود والهويات الضيقة، واعتبروا العالم كله وطنا لهم. لكنني لست معجبا على الإطلاق بطبيخهم الذي يجمع في طبق واحد بين مكونات لها مذاقات غير منسجمة، منها المالح ومنها الحامض ومنها الحلو ما يجعل وجباتهم صعبة المضغ ناهيك عن الهضم.
بالطبع لا أحتل هذه المساحة من صفحة الجريدة لأكتب عن وجبة طعام، لكنني أستعير نموذج طبيخ النور في وصف رؤيتي لواقعنا السياسي في زمن الربيع العربي، حيث النظم الراسخة في القمع وفي الديمقراطية الأميركية الجديدة تقدم خطابا لا يختلف في شيء عن طبيخ النور.
في دولة واحدة يظهر خطاب التسامح الديني في العلاقة مع يهود اسرائيل ويظهر التعصب الديني في العلاقة مع ابناء الشعب من المسيحيين.
وفي دولة أخرى يصر المعارضون «المجاهدون» على ضرب المدن والقرى التي تخضع لحكم النظام، ويدير المجاهدون ظهورهم للهضبة المحتلة، وكأن الاحتلال الاسرائيلي ليس واقعا سيئا يستحق الجهاد لتغييره.
أعرف دولة عربية أخرى تحتضن اليساريين الهاربين من القمع في دول الجوار، وتعتقل اليساريين من أبنائها المغامرين بمعارضة النظام.
كل ذلك ليس مدهشا لمن تعود على التناقض في الحياة العربية، لكن ما يثير الدهشة والاستفزاز والقرف في آن هو ذلك الخليط الذي يجمع الاسلاميين والشيوعيين والقوميين في تحالفات غير منطقية في بعض العواصم، حيث ترى الخضر والحمر وذوي الألوان المحيرة يلتقون في موقف واحد ويصدرون بيانا مشتركا يختزل مخزون الكذب في حياتنا السياسية.
أمام هذا المشهد المثير للشفقة لا يملك عربي الربيع وعربي الفصول الأخرى الا العودة الى الموقف الوطني بصفائه وواقعيته، والبحث عن مسار التيار الأنقى وهو التيار الوطني.