الشهيد عرفات جرادات- حسن صالح
محليات
126
(1)
للدم لغته ووقعه الهادر، ومن لم ير تشييع عرفات جرادات، أو لم يحضر بيت عزائه في قريته البطلة سعير، فليسأل حشود الآلاف التي حضرت، كي يدرك مدى شهامة الشهادة، ومدى فعلها في الرجال والأرواح..ويا عرفات جرادات كم نقلت صراع الأسرى إلى مواقعه الجديدة، وكم كشفت اللثام عن قبح الاحتلال الإسرائيلي.
ومثلما كان دم سعد مفصلا في الحرب الأهلية في لبنان، عندما تقدم ليدافع عن بيروت الغربية حينها تقدم سعد وبشجاعة نادرة ليدافع عن الناس والفدائيين وزمن الحرية..وها هو ابن اخته عرفات الذي ولد بعد استشهاد الخال سعد بسنوات، يحمل نفس حالته وبطولته والانتماء العميق لفلسطين الوطن والشعب.
(2)
رأيت سعدا في حصار مدينة الكحالة (إحدى محاولات المقاتلين لفك الحصار الظالم عن مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا) حيث كان الوضع صعبا وقلقا عسكريا، لكن سعدا ذا الجرأة غير المسبوقة، والوعي الذي يتحول إلى بصيرة ترى ما لا يرى، جمعوا له بضعة فدائيين، كان الوضع صعبا أمامهم، لأمام سيل القصف الذي واجههم فأخطروا بالانسحاب والعودة إلى أماكن التجمع، إلا سعدا وأحد فدائييه من رجال السرية الطلابية وهو ايضا صار بطلا من أبطال وشهداء معارك طرابلس 1983، وهو الشهيد البطل عاطف حيث ظلا معا ودخلا مدينة الكحالة، ومرا على بيوتها بيتا بيتا وكانت خاوية على عروشها الا من بعض كبار السن ومواقعها موقعا موقعا، وهنا نادى سعد بأعلى صوته، على الذين كانوا معه من الكتائب العسكرية الأخرى، ولكنهم تراجعوا جميعا إلى الخلف أمام شدة القصف الذي كان يأتي عنيفا من مرابض في الجبال المواجهة والبعيدة.
هذا هو سعد لا يخاف ولا يهاب،روحه على كفه (كما قال الشاعر عبد الرحيم محمود) أليس هو الفدائي القائد..النموذج.
تلك جرأة تسللت مع الأيام من ذاكرة وذكرى الخال سعد،وسكنت قلب وروح عرفات جرادات وها هو دمك يا عرفات يضيء، واضعا من أسروه في موقع الاتهام والتعسف والقتل، ومبرزا جرائم المحتل واضحة جليه مستفزة ومقززة إلى أبعد الحدود..
وهو دم الثوار دائما يكون دما كاشفا ودما يضيء.. ودما يتغلغل في عروق الأرض، ويلتقطه كل الرجال الذين يعرفون أن للوطن نداء فيأتون..
(3)
كان الصراع على موضوعة الأسرى يكاد يصل لنقطة تجعل من الأسرى قضية، وليس أن الموضوع المركزي ان للأسرى قضية..وثمة نتائج مغايرة ولكل من الفكرتين..
فجاء دمك يا عرفات..يقول وبوضوح ان المناضل والأسير والشهيد قضية وهي القضية الفلسطينية التي من أجلها يذهب الشهداء والأسرى… ويمضي على دربها آلاف المناضلين يسعون وراء الحرية لهم ولكل الشعب..فأين قضية فلسطين وبماذا تتقدم..ولأن دم عرفات حمل كل هذه المعاني كان الناس بعشرات الآلاف يتدافعون ليحملون النعش..وكأنه نعش كل واحد منهم،وتقول حكاية دمك يا ابن الآمال الكبيرة لقد أعاد الشهيد للمسار صحته وأزال ورقة التوت عن كل قول هراء لهذا الاحتلال العنصري وغير الانساني.. بل الاحتلال القاتل.
(4)
دمه يقول..وسعوا للآمال دروبها..وللعطاء مجالات الحياة، أثقلوا ليل الغزاة..بنضالات وإبداعات لا تنتهي في كل مكان وأي مكان..ودمه يقول..هذه الأرض لنا..في كل اللغات..الحق هو الحق..فلا يمكن أن يلبس الباطل بالحق طول الوقت..ونحن في فلسطين قدرنا البقاء في هذه الأرض نحفظ روحها ولغتها وميزاتها..حتى تنهض الأمة..ودمه يقول..أثبتوا على هذه الأرض..وابنوا فوق ترابها حياة لكم..وقوة الشهيد أن دمه حياة لنا.
(5)
اسمه عرفات تيمنا بشيخ الشهداء ياسر عرفات،فجاءه شابا نقيا مملوءا بالدعوة الكثيرة ويضم فلسطين المغسولة بأمطار كثيرة. ما زال ياسر عرفات قائدا للفدائيين وقائدا للشهداء.
واسمه "جرادات" عنوان عائلة فلسطينية بطلة،فقوة العائلة أي عائلة تكون بعطائها لفلسطين الحرية فيا حرية وطني،ستظلي الحلم الذي من أجله يتجلل بالعطاء وجمال الوصول الكبير.من عرفات لأمه صباح الخير البلاد بخير والمظاهرة تتهيأ للهتاف
يسقط الاحتلال
من الوجع القديم..الى الوجع الثقيل
صباح الخير.. البلاد بخير
الوردة الجورية حمراء الخدود تردد الهتاف.. يسقط الاحتلال
صباح الخير، الفلاح جد كل الزيتون، ماعدا الزيتونة الألفية خلف الجدار
والبدوي.. سار بالعنزات وشلية الغنم لبراري الحقول
والمطر الدافئ يهل..يعد ببرد ثقيل
يا أمي.. صباح الخير
والقدس في البال
والقدس هي الموال
صباح الخير يا أمي
قريب أنا..وان صرت شهيدا
قريب أنا.. كنفس البلاد
كالروح تدب في الوليد
صباح الخير يا أمي.. أنا.. أنا عرفات الشهيد
hassan slh@yahoo.com
حسن صالح