تفاؤش- فؤاد ابو حجلة
لا أعتقد أن شيئا تغير في حياتنا في ربيع العرب، لذا لا أميل الى المقارنة بين ما قبل هذا الربيع وما بعده، لكنني أظل اسيرا للمقارنة بين حالنا وأحوال الآخرين من عباد الله في بلاد الله، وربما لهذا السبب تحديدا أميل الى التشاؤم في قراءة الواقع ومحاولة تلمس ملامح المستقبل في أوطان تتشبث بجهلها وتؤكد كل يوم يوم أنها لم تخرج من جاهلية العرب الأولى.
أحاول أحيانا أن أبدأ النهار بالتفاؤل، لكن قراءة أي صحيفة عربية تبدد هذا الاحساس وتعيدني الى مربع الحصار وانعدام الأمل، ولو أعرف من تغنى بفسحة الأمل من شعراء العرب لكنت جرجرته في المحاكم بتهمة الكذب والتزوير.
كم كان عبقريا مبدعنا الراحل إميل حبيبي في وصفه للمواطن العربي الذي سماه أبا النحس ووصفه بالمتشائل. وكم كان قريبا من وصفي ومن تشخيص حالتي في النزاع اليومي بين الروح المحلقة في فضاء الحرية المتخيل والعقل المحبوس في قفص الواقع المزري.
أعترف بأنني تائه ومشتت ومحبط حد البكاء، وأقر بعجزي عن رؤية الضوء في آخر النفق العربي المعتم، وأبحث عن جرعة تفاؤل وأمل في الصحيفة وعلى شاشة التلفزيون وفي الشارع وفي المكتب وفي المطار وفي المرآة، ولا أجد غير ما يرسخ شتاتي وحيرتي ويثير الأسئلة الصعبة عن جدوى الكتابة أحيانا وجدوى العيش دائما.
هذا نهار جديد في يوم جمعة، ولا أظن من يقرؤني يستطيع بدء نهاره بهذا الاحباط، لذا أنصح بمقاطعة قراءة مقالتي في يوم الجمعة، والانخراط في الروتين الخاص بيوم التجبد العربي.
أقترح متابعة القنوات الفضائية العربية التي تقدم الأفلام الهابطة والمسلسلات التركية، والتركيز على الحوارات الجادة المتعلقة بالفوارق الموضوعية بين مقلوبة الباذنجان ومقلوبة الزهرة، وكسر رتابة الحياة بقرار ثوري بارتداء الدشداشة بدلا من البنطلون في يوم العطلة، واستبدال فنجان القهوة والسيجارة بكوب الشاي والقرشلة.
التغيير مهم جدا للحفاظ على منسوب التفاؤل والأمل، والشعوب العربية تدرك قيمة التغيير فتستبدل حكام الباذنجان بحكام الزهرة وحكومات السجائر بحكومات القرشلة وتخرج الى الشوارع لتهتف للثورات.. وتصلي على النبي. أما أنا فأظل محبطا ولا أملك الرغبة في حلاقة ذقني للمشاركة في حفلات زفاف النظم الجديدة وحضور أعراسها الديمقراطية.
لا استطيع أن أكون متفائلا، لكنني، ومن باب احترام طمأنينة العرب الكاذبة أحاول أن أكون على الأقل مواطنا متفائشا.