البابا الجديد- أحمد دحبور
كأن العالم الاسلامي، كان ينتظر انتخاب البابا الجديد، للاتصال به ووصل ما انقطع من علاقات بسبب تصريحات للبابا السابق، بندكتوس، واشاراته غير الودية التي ما كانت لتليق بالحبر الأعظم الذي يتبعه اكثر من مليار كاثوليكي..
والحق ان المسلمين، كانوا منذ نهاية الحروب الصليبية قبل ثمانمئة عام او اكثر، يحرصون على اقامة اطيب الصلات مع العالم المسيحي، لا سيما وان قطاعا واسعا يعد بعشرات الملايين من المسيحيين، يعيشون بين المسلمين، وقد نجح بعض البابوات، مثل يوحنا الثالث والعشرين، ويوحنا بولس، في تعميق الحوار بين الحضارات والأديان، وهو ما كان يستجيب له المسلمون باستمرار..
لقد كان البابا السابق الماني الاصل، ومع ان سلطة قداسة البابا روحية في الأساس، غير مشغولة بالمشكلات الدنيوية، الا ان بندكتوس الكلي الاحترام، كان متأثرا على ما يبدو بالمناخ الاوروبي الذي يتهم الالمان بمعاداة السامية، فرغب في مد جسور تجاه اليهود، وهي جسور مشروعة بطبيعة الحال شرط الا تمتد على حساب مكانة المسلمين واحترامهم..
والآن اتى بابا جديد، هو اول بابا من امريكا اللاتينية التي تحظى بعلاقات ودية مع معظم المسلمين في العاتلم، ومع التأكيد مرة ثانية ان سلطة صاحب القداسة هي سلطة روحية في المقام الاول، الا اننا نأخذ ملاحظة اصول البابا الارجنتينية - امريكا اللاتينية - من الجانب الايجابي على مستوى العلاقة مع العقائد الاخرى ومنها الاسلام.. وهي مناسبة للتذكير بأن الاديان الابراهيمية تلتقي في قضايا ايجابية غير قليلة، اما بالنسبة الى اليهودية - وهي ديانة ابراهيمية ايضا - فان التوتر الذي نشأ بينها وبين الاسلام والمسيحيين العرب، كان توتراً سياسياً في المقام الاول، اساسه اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، ولم يأخذ السجال مع اليهودية يوما طابعا آيديولوجيا بدلالة ان الغرب المسيحي كان مع انشاء دولة اسرائيل على حساب الحق العربي..
والواقع ان ثمة تشابهاً، لا يشار اليه عادة، بين آلية نظام الخلافة الاسلامية في بداياتها، وبين فكرة انتخاب البابا.. فقد كان يتولى الانتخاب، هنا وهناك، كرادلة منتخبون مجربون في الوسط الكاثوليكي، واولو الأمر والراسخون في العالم من الجانب الاسلامي، وكان قداسة البابا او امير المؤمنين المنتخب، يظل كل منهما في موقعه حتى آخر لحظة، بمعنى ان النظام كان يأخذ من المستوى الجمهوري فكرة الانتخاب، ومن المستوى الملكي فكرة البقاء في الكرسي حتى انتهاء الأجل.. وضمن هذه المعادلة كان العرب والغرب يتفهم كل منهما نظام الآخر في ايام الحرب والسلم على حد سواء..
ان هذا التشابه الاولي في المؤسسة القيادية، اسلامية كانت ام مسيحية، هو من علامات انتماء الطرفين الى شجرة روحية واحدة، هي الاصول الابراهيمية، بل ان نابليون عندما وصل الى المشرق العربي، حاول الافادة من هذا التشابه..
ويوم ظهرت محاولة في الكاثوليك، لتبرئة اليهود من دم السيد المسيح، ايام احد البابوات في القرن العشرين، ولعله بولس التاسع، رأينا محاولة لاستمالة الاسلام الى هذا الموقف، انطلاقا من عقيدة المسلمين بأن عملية الصلب لم تتم وانما شبه لهم..
ما اريد قوله، هو ان الخطوط المتوازية والمتقاطعة بين الديانتين، مع وجود عدد لا يستهان به من المسيحيين بين المسلمين، جعلت الحوار امرا ممكنا باستمرار، حتى ان الزعيم الشيعي خاتمي، رد على صموئيل هنتنجتون صاحب «صراع الحضارات»، بأن الكلمة السواء التي يجب ان تعتمدها هي حوار الحضارات..
وانه لأمر ذو دلالة تتجاوز البروتوكول، ان معظم الزعماء العرب - وهم مسلمون - قد سارعوا الى تهنئة البابا الجديد لمناسبة انتخابه رأسا ورئيسا للكاثوليك في العالم، بل زاد عليهم الرئيس ابو مازن بعد التهنئة بتوجيه دعوة الى البابا الجديد ليزور بيت لحم، المدينة الفلسطينية التي هي مسقط رأس السيد المسيح، في اشارة لا تخفى الى الاواصر الروحية العميقة بين الشرق والغرب..
فأهلاً بقداسة البابا الجديد رسولا للسلام والتفاهم، لا على اساس المجاملات الدبلوماسية، بل استنادا الى الركيزة الروحية التي تربط بين المؤمنين في العالم.
وحين يصلي البابا لراحة نفوس البشر، فلنراهن على ان للشعب الفلسطيني نصيبا عميقا مؤثرا من هذه الصلاة، اذ لا يمكن لقداسة البابا الجديد ان يسمح له ايمانه ببقاء ارض السيد المسيح تحت الاحتلال.. لقد كانت فلسطين بيت السيد المسيح وهو الذي خاطب الجميع قائلا: اي بيت تبنون لي؟.. فلننتصر جميعا، اسلاما ومسيحيين، لبيت المعلم الذي نريده حرا تشمل بركاته مجمل بني البشر