القراءة اولية لنتائج مؤتمر هرتسليا -3- .. عادل عبد الرحمن
إحتل الملف السوري مكانة هامة في اعمال المؤتمر، وخلص المشاركون في المؤتمر الى : أن "سوريا هي المركز الاستراتيجي الاهم هذه الايام". لما لذلك من علاقة بالامن الاسرائيلي ؛ وللتداعيات، التي ستفرزها الحرب الاهلية الطاحنة هناك على الدول العربية وخاصة لبنان والعراق؛ ولصلة ذلك بالملف النووي الايراني؛ وايضا للعلاقة الجدلية بين عملية تمزيق سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية واثنية، وبين إعادة تشكيل إقليم الشرق الاوسط الكبير وفق الخريطة الجيوسياسية الاميركية.
لكن التقرير الصادر عن المؤتمر، أسقط مرة اخرى اهداف المخطط الاميركي / الاسرائيلي بتفكيك سوريا، وكأنه نتيجة لتعاظم وجود الاسلحة غير التقليدية، التي حولتها "إلى ساحة حرب بين الميليشيات المسلحة ومنظمات الارهاب الساعية للسيطرة على مخازن الاسلحة في سوريا، وفي مقدمة هذه الدول إيران من جهة، والعربية السعودية وقطر من جهة أخرى".
المشكلة في سوريا ليست في حجم ونوعية الاسلحة الموجودة؛ ولا في سعي الدول المحيطة بها في الحصول على الاسلحة، رغم اهمية السيطرة على تلك الاسلحة، وعدم وصولها للقوى الارهابية. انما المشكلة في نجاح السيناريو الاميركي / الاسرائيلي، وايجاد الذرائع للتدخل في الحرب الدائرة من خلال الادوات "الارهابية" التي انتجتها اميركا واسرائيل وتركيا وقطر. وبالتالي تضخيم موضوع الاسلحة مدروس ومعد مسبقا، ويجري ضخه في وسائل الاعلام لتضليل المواطنين والرأي العام المحلي والقومي والاقليمي والدولي، بحيث يشكل المدخل الملائم للتدخل في عملية التقسيم المعدة سلفا لسوريا.
الاستنتاج آنف الذكر، لا يتعارض مع تأييد الثورة واهدافها الوطنية والديمقراطية. ولكن الولايات المتحدة واسرائيل ليست معنية لا من قريب او بعيد بوحدة اراضي الدولة السورية، ولا بوحدة الشعب ولا بالاهداف الوطنية والاجتماعية الديمقراطية، بل العكس صحيح، لانها تعمل على ضرب مصالح واهداف قوى الثورة.
ولعل الخلاصة التي يوردها التقرير تعكس التوجه الاميركي / الاسرائيلي للعمل في سوريا مع دول الاقليم، التي جاء فيها:"وكلما زادت إمكانية تفكك سوريا، فإن الدول العظمى وشركاؤها الاقليميين وخاصة تركيا وإسرائيل والاردن تنسق فيما بينها من اجل منع فقدان السيطرة على الاسلحة العسكرية المتقدمة الموجودة في سوريا، وفي ظروف معينة ( وهنا بيت القصيد) تنسق ميدانيا خشية ان يتطلب ذلك عمل عسكري دولي."
يلاحظ من قراءة التقرير، ان العديد من الملفات، التي عالجها وخلص باستنتاجات حولها، في الحقيقة لم تكن إستنتاجات بقدر ما كانت إسقاطات أمنية من المؤسسات صاحبة الدور المركزي في إدارة المخططات الجهنمية ضد الدول العربية والاقليمية. لكنه البسها ثوب الاستنتاجات بهدف تروجيها وتعميمها.
ملف التطبيع ودور الاسلام السياسي، يخلص تقرير هرتسليا إلى إستنتاج يقول:" الشرق الاوسط يتحول أكثر فأكثر الى قلعة للاسلام السياسي المتطرف، الذي وضع حدا للتطبيع في العلاقات الاسرائيلية العربية"؟!
التحول الجاري في الدول العربية بالاتجاه الاسلامي وخاصة الاخواني، تم بقرار ودعم اميركي واسرائيلي. وبالتوافق، وبناءا على اتفاقات مسبقة بين قيادات جماعة وفروع الاخوان المسلمين وجهاز ال CIA ومن ثم دخل اركان الادارة على الخط مباشرة بدءا من هيلاري كلينتون وجو بايدن ومن ثم كيري وقبلهم السفيرة الاميركية في القاهرة ... إلخ
وكما اشير في البداية للقراءة، فإن جماعة الاخوان قدمت تعهدات والتزامات واضحة للادارة الاميركية بالتزامها بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، وحماية امن إسرائيل، وضبط إيقاع فرعها في فلسطين ( حماس) بما يتناسب ويتلائم مع روح الاتفاق، ونتج عن ذلك صفقة "شاليط" وااتفاق الهدنة المجانية في اعقاب العدوان الاسرائيلي الاجرامي على قطاع غزة في نوفمبر / تشرين الثاني 2012، والحبل على الجرار. وبالتالي الحديث عن "توقف" التطبيع ليس صحيحا، ولا يمت للحقيقة بصلة. لان الوقائع القائمة على الارض تقول عكس ما خلص التقرير.
كما ان التقرير اخفق في الاستنتاج القائل، "ويبدو ان الغرب يتعامل مع الشرق الاوسط العربي وتحدياته المعقدة ، على انه ظاهرة من الصعب استيعابها."؟! لان مرحلة ما بعد إتفاقيات كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة فتحت ابواب المنطقة المغلقة، وما كان صعبا حتى الامس القريب، تم تجاوزه بفتح ابواب السلطة للجماعات الاسلامية وخاصة الاخوان المسلمين. الامر الذي يعني ان المنطقة مستوعبة تماما، ولا يوجد بها ما يربك السيناريوهات الاميركية والاسرائيلية حتى الان.
لكن قد تبرز تعقيدات او ان التعقيدات في طريقها للظهور من خلال صعود القوى الوطنية والاجتماعية الديمقراطية، المتناقضة في رؤيتها وتوجهاتها واهدافها الوطنية والقومية، فضلا عن إمكانية توالد قوى إسلاموية جهادية من رحم القوى المتواطئة مع اميركا واسرائيل، قد تؤثر على التنفيذ السهل للسيناريوهات الاميركية. لكنها في المدى المنظور لا تعاني من اية ارباكات حقيقية.