لجنة تحقيق- فؤاد ابو حجلة
إذا أردت أن تميت قضية فشكل لها لجنة، هكذا قال الحكماء الظرفاء لنا وهذا ما أثبتته التجارب في كل المشارب.
تشكلت لجان كثيرة ونجحت في تحقيق الفشل الذريع في كل الملفات التي عالجتها، بدءا من لجان تطوير العاب الجمباز وكرة الماء والتزلج على الجليد وانتهاء بلجان تطوير خدمات النقل والصحة والتعليم والاسكان، ناهيك عن لجان المفاوضات مع الطرف الآخر والمصالحات مع نصف الطرف غير الآخر.
عانينا كثيرا ولا نزال نعاني من اللجان، لكننا لا ننفرد بهذه «النعمة» فقد سبقنا إليها أشقاؤنا العرب وأبدعوا في تشكيل اللجان التي نهضت بالحياة العربية وأوصلت الشعوب الفخورة بالحاضر والماضي والمستقبل إلى هذا المستوى من العيش الرغيد.
في زمن الربيع كان طبيعيا أن يزيد عدد اللجان لمعالجة الاختلالات في الحياة العربية، وهي بالضرورة اختلالات نشأت عن فساد الأنظمة المخلوعة والمقلوعة والبائدة، بما فيها حوادث السير البشعة وتصادم القطارات وأزمة الوقود وارتفاع الأسعار وتعامل الأمن والدرك مع المتظاهرين السلميين وتراجع واردات السياحة وتدني مستوى النظافة في المدن.. وازدياد حالات الانتحار حرقا.
ولا يكاد يمر يوم دون أن يتحفنا المذيعون بخبر تشكيل لجنة للتحقيق في كارثة، ولا أذكر أنني سمعت خبرا عن نتيجة التحقيق في أي كارثة، مهما كان حجمها، فالذي يموت يرحمه الله والذي يصاب يشفيه الله والذي يخسر بيته أو متجره يعوضه الله، أما اللجان فإنها تواصل الاجتماعات لفحص البينات والاطلاع على الحيثيات والتدقيق في الشهادات.. وتقاضي المياومات ومكافآت الاجتماعات.
تشكلت مئات اللجان لمعالجة ارتفاع الاسعار ولا تزال الأسعار مستمرة في الصعود، وعقدت مئات الاجتماعات للجان الاسكان وما زال لدينا مدن صفيح وعشوائيات وعائلات تسكن بين القبور وأخرى تنام في الساحات العامة وفي الشوارع.
هناك أمثلة كثيرة للجان الخائبة لكن أكثر ما يعجبني هو لجان التحقيق التي لا تصل الى نتيجة ولا تكشف لغزا ولا تحدد فاعلا.. وتبقى معظم التجاوزات وحتى الجرائم مقيدة ضد مجهول رغم أنه معلوم.
أزعم أنني لست مجهولا وأعترف بكراهيتي للجان ورفضي للاستهبال الذي يمارسه علينا أصحاب قرار تشكيل اللجان، ولا يزعجني إطلاقا أن اتمتع بكراهية اللجانيين لشخصي غير اللجنوي.