قراءة اولية لنتائج مؤتمر هرتسليا -4-عادل عبد الرحمن
لم يغب الملف الفلسطيني والحل السياسي عن المؤتمر، لا بل كان في صلب معالجة كل الملفات، حتى وان حاول البعض القفز المتعمد عنه، والايحاء للمستمع، وكأنه لم يعد اولوية في السياسة الاسرائيلية او لدى صانع القرار. غير ان المشاركين من خارج المؤسسة الرسمية، لم يحيدوا عن قراءة التطورات المتعلقة بالملف الفلسطيني / الاسرائيلي، لاعتقادهم، ان بقاء وتطور إسرائيل وسط المحيط العربي والشرق اوسطي الاسلامي، لا يستقيم إلا بايجاد حل له. رغم انهم عمموا إستنتاج غير دقيق، ويتعاكس مع قراءات سابقة، فضلا عن انه، لا يتوافق مع المنطق العقلي العلمي في قراءة الظواهر ومآلاتها المستقبلية.
بعد الحديث عن تراجع الدور الاميركي وتنامي الدور الاوروبي في قراءة إستاتيكية، يخلص المشاركون في مؤتمر هرتسليا الى الاستنتاج الخاطىء، القائل :" كأن حل النزاع مع الفلسطينيين سيؤدي بطريقة سحرية إلى تغيير حقيقي في الشرق الاوسط، وهذا ليس صحيحا." قد لا يكون حل المسألة الفلسطينية قادر على تضميد جراح الشرق الاوسط؛ وقد لا يكون العصا السحرية لتقديم الحلول الشافية لقضايا شعوب الامة العربية والشرق الاوسط الاسلامي؛ ولكن حل المسألة الفلسطينية يحقق اكثر من هدف في آن، منها :اولا الانتهاء من معضلة تاريخية، عنوانها الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لان شروط تصفية القضية أي كانت العوامل الذاتية والموضوعية المحيطة بالقضية قاصرة وفاشلة، ولن تنجح في طي صفحة الصراع؛ ثانيا ضمان وجود إسرائيل ذاتها. لان العلاقة التبادلية (جدلية) بين وجود إسرائيل وقبولها في المنطقة وبين حل المسألة الفلسطينية عميقة، ولا أفق لإستقرار وتركيز دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية دون حل المسألة الفلسطينية. وكون مشاريع التصفية للقضية باءت بالفشل؛ ثالثا حل المسألأة الفلسطينية ستحد من حالة الاحتقان والتحريض المتبادل بين شعوب ودول المنطقة (حتى لو افترض المرء نجاح سيناريوهات اميركا باعادة تقسيم الشرق العربي الى دويلات طائفية ومذهبية واثنية) وإسرائيل والولايات المتحدة؛ رابعا ستؤدي الى إنخفاض حاد في حجم مشاكل شعوب ودول المنطقة؛ خامسا كما يعلم الاسرائيليون والاميركيون القضية الفلسطينية تقبل القسمة مع وعلى كل شعوب ودول المنطقة والقارات، وبالتالي عمليات التقسيم للمنطقة وشعوبها ودولها (إن نجحت لا سمح الله) لن تلغي او تسقط من مكانة القضية الفلسطينية حتى ولو من الباب الشكلي للخطاب السياسي والديني، الامر الذي يعني ان القضية ستبقى مطروحة على بساط التجاذب في اوساط القوى الحاكمة والمعارضة في المنطقة.
ويتابع التقرير قراءته للملف الفلسطيني بمنطق يجافي الحقيقة في شق من المعالجة، ويقترب منها في شق آخر، فيقول "الوضع القائم في المناطق الفلسطينية ليس دائما وبالتأكيد ليس ابديا." وهذا صحيح جدا جدا.. بتعبير آخر، لا يمكن للحالة الفلسطينية مواصلة الصمت امام إستشراء التحدي الاسرائيلي، الامر الذي يؤدي إلى تغير دراماتيكي في شكل واليات الصراع ومستقبل المؤسسة الرسمية الفلسطينية، التي امست ضرورة لاسرائيل واميركا، وبالتالي في "وضع ، تضعف فيه المصادر المالية للسلطة الفلسطينية، ..يؤدي استمرار الجمود القائم الى إنتفاضة شعبية فلسطينية والى عنف منتظم، " حتى هذه الفقرة الاستنتاج صحيح، ولكن غير الصحيح في الشق الذي يقول " او تهيىء الارضية لسيطرة حماس على الضفة الغربية وتحويل المناطق الفلسطينية الى كيان معادي للغرب واسرائيل، الرافض للسلام ، ولا يعمل هذان التطوران لصالح إسرائيل ولا حتى لصالح جارتها من الشرق الاردن".
اذا توقف المرء، امام الشق الاخير، يلحظ انه غير واقعي، لماذا؟ لان إسرائيل تعلم حقيقة حركة حماس، كونها ، هي من منحها حق الوجود، كما ان إسرائيل، هي التي مهدت للانقلاب ودعمته بشكل غير علني، ولو شاءت إسرائيل وقف الانقلاب لامكنها ذلك بسهولة، كما لو ان إسرائيل شاءت شطب حماس من المعادلة السياسية ، ايضا لامكنها ذلك لاحقا في الرصاص المصبوب. لكن إسرائيل ارادت إبقاء حماس، لان حركة حماس مستعدة إعطاء إسرائيل اكثر مما اعطت قيادة منظمة التحرير، اي انها مستعدة للتنازل عن الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 والقبول بالدولة ذات الحدود المؤقتة.
كما ان إسرائيل مازالت تعمل على تعميق سياسة "فرق تسد" في اوساط الشعب الفلسطيني، لان الانقلاب على الشرعية الوطنية، يعتبر اهم إنجاز حققته إسرائيل في تاريخها، وهو اهم من إتفاقية اوسلو، او بتعبير ادق، كان الانقلاب المسمار الاخير في نعش اوسلو على هشاشة وبؤس الاتفاقية. وبالتالي الحديث عن وجود كيان معاد لاسرائيل، ليس اكثر من تضليل إعلامي، لان الحقيقة عكس ذلك. ولو شاءت إسرائيل سيطرة حماس على الضفة الفلسطينية لما توانت عن ذلك، ولكنها حتى اللحظة لا تريد هذا الخيار. ولان إسرائيل تريد ان تدفع بخيار الدولة الفلسطينية في غزة وسيناء، ولعل المراقب لما تكتبه إسرائيل على تصاريح ابناء غزة في الاونة الاخيرة، يلحظ العلاقة بين ما يكتب هعلى التصاريح وبين التوجهات السياسية القادمة، لاسيما وان هناك اتفاق اوسع مع حركة الاخوان المسلمين، التي حماس جزء منها، بمنح عملية توطين للفلسطينيين في شمال سيناء حتى عمق اربعة وعشرين كيلو متر، اي حتى العريش، وهو مشروع قديم جديد عاد عميدرور ، رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي باعادة إحيائه مؤخرا. وما التطبيل الاعلامي ضد حماس، وحتى الاعتداءات المتكررة على القطاع إلآ شكلا من الترويج لحماس ، وإعطائها مكانة ليست لها في الاوساط الفلسطينية والعربية والاسلامية والعالمية.
الاستنتاج المهم ( وهناك الكثير من الاستنتاجات التي يتوافق معها المرء في تقرير هرتسليا 2013) هو الذي خلص له المشاركون بالقول" فإن المأزق من شأنه ان يؤدي الى زيادة الدعم الدولي والفلسطيني بفكرة حل الدولة الواحدة، وهو الحل الذي يجتث الكيان الصهيوني، وأبدية فكرة "دولتين لشعبين" لم تعد فكرة قائمة ومفهومة".
بعيدا عن مسألأة إجتثاث الدولة الصهيونية، فإن خيار الدولة الواحدة، في ظل تلاشي خيار الدولتين على حدود 67، سيكون هو الخيار الامثل والاهم للخروج من نفق الازمة التاريخية. وهذا الخيار سيكون في قادم الاعوام، واذا لم يتم التوصل الى حل سياسي قائم على حل الدولتين في المستقبل المنظور، هو الممر الاجباري لصالح عملية السلام، وللشعوب والتعايش بينها. وهذا ما اشار له مباشرة بطريقة التفافية الرئيس باراك اوباما في زيارته الاخيرة لفلسطين واسرائيل والاردن.
هناك استنتاجات عديدة يمكن مناقشتها، ولكن قد تكون المعالجة في دراسة بحثية، وليس هنا .