"حماس" تكرس الامارة- عادل عبد الرحمن
ليست الخطوة الاولى لقيادة الانقلاب الحمساوية في تعميق خيار الامارة، ووضع العراقيل مرة تلو الاخرى لتعطيل المصالحة الوطنية. خطوة فصل البنين عن البنات من سن التاسعة في المدارس في المحافظات الجنوبية، ومنع الاختلاط بين الجنسين في المدارس والمعاهد والجامعات، جاءت تعزيزا لنهج سياسي وتربوي واجتماعي ووظيفي وثقافي وقانوني لتكريس تشويه المجتمع الفلسطيني في تلك المحافظات، وسخلها كليا عن النظام السياسي والمجتمع الفلسطيني باسم "الدين" و"الشريعة".
بدأت السياسات الظلامية الحمساوية منذ اول خطوات الانقلاب على قطاع غزة اواسط عام 2007 عندما أطاحت برموز الشرعية الوطنية الشرعية والتنفيذية والقضائية ، وتابعت ذلك النهج يوما تلو الآخر بسن القوانين ، التي تبيح لها حمسنت المؤسسات و"تطهيرها" من الوطنيين في مختلف مناحي الحياة، وطاردت، ومازالت تطارد القوى الوطنية وعلى رأسها حركة فتح، وترفض المشاركة السياسية، وتعمل بثبات على القوى الحية تحت عناوين وذرائع واهية ومفبركة. وعندما تكون مضطرة للجوء للقوى السياسية ، لا يكون ذلك إلآ لاعتبارات تكتيكية وتحت ضغط اللحظة، وبهدف تمرير خطوات اعمق نحو الانفصال وتأبيد الانقلاب.
من الخطوات، التي يمكن ايرادها في هذه العجالة : مطاردة ابناء الاجهزة الامنية التابعة للشرعية، وتوجيه الاتهامات لهم ب" الاتصال" مع رام الله! وكأن اتصال اولئك الضباط والجنود ومنتسبي الاجهزة الامنية بمرجعياتهم "تهمة" يحاسب عليها قانون القيادة الانقلابية؛ وهناك ممن مازالوا حتى اللحظة في سجون حركة حماس، وبعضهم وجهت لهم تهمة "التآمر" وتم إعدامهم؛ كما قامت بمنع ابناء الشعب من التوجه للجناح الشمالي للوطن إلآ بعد الحصول على تصريح، ومنعت ميليشيات حماس العشرات والمئات من مغادرة او الدخول للقطاع تحت حجج مختلفة؛ واعتمدت قانون إجتثاث حركة فتح من الشارع بالقدر ، الذي تستطيع؛ وقام اعضاء المجلس التشريعي في جنوب الوطن بابتداع فتوى قانونية لمواصلة عمل المؤسسة التشريعية من خلال إعتماد النيابة عن اعضاء كتلة التغيير والاصلاح الحمساوية المعتقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي والمتواجدين في مدن الضفة الفلسطينية، وسنت عشرات القوانين الظلامية والمخالفة للوائح التشريعية والنظام الاساسي؛ وفرضت الجلباب والحجاب على النساء العاملات في حقل القانون والقضاء والجامعات؛ وسيطرت على المعابر والمنافذ الرابطة القطاع بالعالم الخارجي؛ وعممت سياسة الانفاق باسم "مواجهة الحصار" الاسرائيلي؛ وصادرت بيوت القيادات الوطنية وسياراتهم، كما وضعت يدها على الاملاك العامة للدولة؛ وطاردت وقتلت كل الجماعات ، التي تصدت لها كما فعلت مع جماعة الشيخ عبد اللطيف موسى، ولاحقت ومازالت تلاحق المقاومين الوطنيين حتى اللحظة للمحافظة على الاتفاقيات، التي ابرمتها مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية؛ وفتحت ابواق اعلامها ومنابرها لمواصلة الهجوم على القيادة الشرعية الوطنية وخاصة الرئيس ابو مازن بذرائع واكاذيب ملفقةن كما سنت قبل ايام منع رجال الاعمال من مغادرة القطاع الى رام الله إلآ بعد الحصول على ترخيص ... إلخ
الاجراءات والانتهاكات سلسلة طويلة لا يمكن حصرها هنا، وجميعها تصب في هدف واحد تأبيد الانقلاب وتعميق خيار الامارة في المحافظات الجنوبية. وكل تلك الانتهاكات والممارسات تتناقض مع خيار المصالحة والوحدة الوطنية. ولا يمكن فهم الاجراء الاخير القاضي بفصل الذكور عن الاناث إلآ في هذا الاتجاه، وهو يتناقض مع ابسط الاعراف والقوانين الشرعية الوطنية والانسانية.
مما لاشك فيه، ان هناك تيارا ايجابيا في حركة حماس، يريد المصالحة، ويعمل من اجلها، ولكن هذا الاتجاه مازال ضعيفا ومقيدا بسيطرة القوى المعادية لها في محافظات الجنوب. ولم يقوَ حتى اللحظة على مواجهة القوى الانقلابية. كما ان تلكؤ القوى الوطنية والاجتماعية والثقافية عن مواجهة القوى الانقلابية الحمساوية، يتيح للقوى المتنفذة بالانقلاب على مواصلة خيارها المتناقض مع وحدة الارض والشعب والقضية والاهداف الوطنية.
ولعل الانتخابات الاخيرة للسيد خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي والقوى المؤيدة لاتجاهه الايجابي يشكل بارقة أمل في لجم نزعات التيار الانقلابي المتنفذ في محافظات غزة. ويساعد القوى الوطنية ايضا في التقاط انفاسها، واستعادة دروها التاريخي في حماية المشروع الوطني من التبديد. مستفيدا كذلك من نهوض الشارع الفلسطيني في الرابع من يناير كانون الثاني ، الذي خرج عن بكرة ابية في الذكرى الثامنة والاربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وحركة فتح مؤيدا الشرعية والوحدة الوطنية، سابقا القوى السياسية كلها، غير ان تلك القوى وخاصة فتح واليسار الفلسطيني بتفاوت في المسؤولية مازالوا دون مستوى نبض الشارع والتوجهات الوطنية لاسباب ذاتية وموضوعية. غير ان ذلك النكوص عن المسؤولية الوطنية، لا يسقط الرهان على تلك القوى لعلها تنهض من سباتها، وتتعلم من لتجربة الرائدة والشجاعة، الذي تقوم به القوى الوطنية والليبرالية والمنابر الاعلامية والثقافية المصرية والتونسية، واستلهام دروس المواجهة مع حماعة وفروع الاخوان المسلمين في تلك البلدان.
آن الآوان لوضع حد نهائي لاجراءات وانتهاكات قيادة الانقلاب ودفع عربة المصالحة للامام، لاسيما وان العديد من الخطوات الايجابية تم تنفيذها على الارض. وعلى الجميع مواصلة الدفع بتلك الخطوات الايجابية لنعميق خيار الوحدة الوطنية، لانها الرافعة الاسياسية لحماية القضية والاهداف الوطنية.
a.a.alrhman@gmail.com