أم المعارك الإلكترونية...- د.صبري صيدم
الصمت الذي أحاطت به إسرائيل الهجوم الإلكتروني الأخير والذي تعرضت له لا يدلل على أن أمراً بسيطاً قد حدث ولا يشكل في نفس الوقت أمراً قاطعاً بأن كل ما أعلن عن تخريبه في الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي قد تم بالفعل. فهناك فرق ما بين موقعٍ معطل نراه بأم أعيننا وقائمة بأرقام حسابات بنكية وأسماء أصحابها. فالموقع الإلكتروني المعطل لا يمكن إنكاره أما البيانات المخترقة والمنشورة أياً كانت قد تحتمل الشك والتشكيك.
لكن التشكيك الأهم والذي سيواجه إسرائيل هو في محاولاتها المستميتة للإدعاء بأن الهجوم الإلكتروني لم يحدث اختراقات فعلية أو أن تلك الاختراقات لا قيمة لها. فإسرائيل ومن دون أدنى شك لا بد وأن تعترف بخسارتها للحرب المعنوية وسقوط الإدعاء الدائم والمفرط بأنها تقود نظاماً أمنياً محصناً. فقد شهدنا ارتباكاً واضطراباً غير مسبوقين خلال اليومين الماضيين.
الأهم من كل هذا يكمن في كون إسرائيل باتت تشهد انتفاضة عالمية أو حرباً عالمية ثالثة أهم ما يميزها أن من يقودها هم مجموعة من الأشباح العائمين في الفضاء الإلكتروني ممن لا يحملون صواريخ الكاتيوشا أو مضادات الطائرات ولا يقودون دباباتهم وعرباتهم المصفحة وطائراتهم الشبحية وإنما يحملون أجهزة حاسوب وعقلاً قادراً على التفكير المتقدم.
المشكلة أن البشرية قد قرنت الحروب والانتفاضات في عقولها وبصورة أوتوماتيكية بحرب البارود والنار دون أن تعرف بأن المواجهة الجديدة تحمل معاني جديدة وسبلاً ووسائل غاية في الحداثة والتعقيد.
نعم نحن أمام انتفاضة فلسطينية ثالثة تترعرع في أحضان حرب عالمية ثالثة وقودها الفيروسات الحوسبية والقرصنة المنظمة وعلوم البرمجة والتحكم الرقمي. لكن هذه الانتفاضة ليست فلسطينية بحتة وربما لا تشهد مساهمة فلسطينية كبيرة من داخل فلسطين بل هي انتفاضة أممية ضد الاحتلال مختلفة عن سابقاتها كونها لا تتجه من الداخل نحو إسرائيل بل من الخارج نحو دولة الاحتلال.
وهي ليست عملاً ارتجالياً بل هي عمل منظم وكبير وموزع حسب القرصنة المتدفقة والتي شهدناها في اليومين الماضيين على العديد من دول العالم.
ما يؤلم الدولة العبرية فعلاً هو كونها منتجة للتكنولوجيا وليس كغيرها من مستهلكي التقانة. فكيف لدولة تصنع التكنولوجيا أن تكتوي بنارها ؟ وكيف لها بعد أن قطعت شوطا كبيراً في عالم الخبرة التقنية أن تضطر للجوء إلى خبرات خارجية للسيطرة على الهجمات الإلكترونية؟ ولماذا لم تتمكن رغم أنها أعلمت بالهجمات منذ ما يقارب الأسبوع أن تمنع تلك الهجمات وتقوض أثرها؟
لقد ابتليت إسرائيل بواقعة إلكترونية تستحق في عالم الفضاء الإلكتروني أن تحمل مسمى "أم المعارك الرقمية" والتي تحولت إلى ظاهرة غير مسبوقة في حرب النجوم الجديدة التي يفرضها تطور عالمي الاتصالات والمعلوماتية.
نعم إسرائيل لم تصل إلى حد التركيع الإلكتروني ولم تضطر لقطع الإنترنت وفصل شبكاتها عن خدمات الشبكة العنكبوتية بصورة شاملة ولم تمس أسلحتها الاستراتيجية المدمرة، لكنها عاشت ظاهرة نوعية وزلزالا إلكترونياً سيشهد العالم بعده هزات ارتدادية بتغيير أنظمة الحماية الإلكترونية الإسرائيلية والإطاحة ببعض العقول والشخصيات الأمنية والاعتبارية وبشن معارك قضائية وميدانية فردية انتقاماً ممن تمكن من مقارعتها إلكترونياً.
وسيتحول ما جرى خلال اليومين الماضيين إلى أن يصبح أهم مادة تدريسية في علم أمن المعلومات وحماية الشبكات.
لقد بدأت مع هذه الهجمة انتفاضة إلكترونية نوعية لن يقاس أثرها إلا عندما تعترف إسرائيل بحجم خسارتها أو يقدم القراصنة أدلة دامغة على اختراقاتهم. الأهم من كل ما ذكرت بأنه وفي عالمنا الجديد الذي تحكمه التقانة والتطور المعلوماتي وعالمي الحاسوب والاتصالات فإن هجمات القرصنة الإلكترونية ما هي إلا نتيجة واضحة لاستمرار الاحتلال، الأمر الذي يشجع المعارك وصولاً إلى أمهاتها..
s.saidam@gmail.com