أم رأفت.. أم فلسطين- احمد دحبور
أمنا العظيمة الرؤوم، أم رأفت العيساوي..
اسمحي لي، وأنا المواطن الفلسطيني العائد، أن انحني بكل اكبار وتقدير، لألثم يديك الكريمتين اللتين احتضنتا جسم البطل الأسير سامر عندما كان قطعة لحم مقبلة على الحياة، وأن أتلعثم أمام دمعتيك الطاهرتين، وأنت تتابعين أخبار سامر، حيث لا نستطيع، أنا وغيري، إلا أن نقدم حيرتنا وأملنا مشفوعين بثقة مستمدة من عزيمة سامر، وارادة سامر، والمشروع الوطني الذي يضحي من اجله سامر ورفقاء سامر..
في مهابة المثول امام كبريائك ولهفتك، ندرك يا ام فلسطين كلها لا أم سامر وحده، أن الاشادة بصمود فلذة كبدك الأسطورة، لن تمنحه اكثر من مئات ملايين القلوب المتعاطفة، ومئات ملايين الرؤوس العربية، الرانية الى الرقم العالمي الاسطوري الذي حققه سامر، بوصفه صاحب اطول اضراب عن الطعام في تاريخ البشرية.. لكن هذا المجد لا يعني ان الاستحقاق الاول هو الحرية لسامر، وللاسرى جميعا، بل لفلسطين الأسيرة.
نلهج بهذه الحقيقة يا ام رأفت، مدركين ان الخبر الكبير، يمكن ان يطرق اسماعنا، لا سمح الله، في اي وقت. لم لا، وقد خبرنا صمود سامر بالقدر نفسه الذي خبرنا فيه فاشية الاحتلال، فلا البطل ينكسر، ولا الاحتلال يتراجع عن قرار حكم الاعدام الضمني الذي اتخذه ضد سامر ورفقائه.. وغاب عن هذا الاحتلال المقيت، ان الاستشهاد ليس اكثر من لحظة مرة، في زمن شاسع لا ينتهي، باعتبار ان سامرا ورفقاءه قد حققوا ما يريدون، من حيث وضع السؤال الفلسطيني برسم العالم، وجعل الحرية من اسماء فلسطين..
ولا اخفي عليك يا امنا العزيزة، ان الامهات قد ينظرن الى كلامي هذا ببعض العتاب. او حتى اللوم، اذ انني اخاطبك ويدي على قلبي مخافة النبأ الأليم.. لكن لتطمئن امهاتنا جميعا، انهن يكبرن بك، ويستلهمن الصبر من ايمانك، بل ان كثيرات وكثيرات منهن يتذكرن ابناءهن وينظرن اليك بفخر وامتنان، بوصفك ام ابناء فلسطين بلا استثناء..
وليست الأم الفلسطينية وحدها، من تتجه اليك يا ام رأفت.. بل امهات العرب جميعا، اذ كنا نقول في تعريف بعضنا ببعضنا الآخر: انهم اخوتي ان صدقت الوالدة.. وقد صدقت الوالدة.. فأنت ايتها الأم الصابرة الصامدة، قد صدقت بما يرفع رأس رأفت وسامر واخوتهما الى عنان السماء.. أليس حليبك الطاهر هو الذي بنى عظام سامر الذي يصمد للجوع منذ اكثر من تسعة اشهر؟ فكيف لا تكونين امنا جميعا؟ ومن كانت ام ملايين الابناء والبنات افلا يلهمها الايمان صبرا لو توزع بالعدل على نساء الارض لأدفأ قلوبهن جميعا؟
منذ اطلالتك الاولى، وانت عائدة من عند سامر، نجح قانون الجاذبية في تحويل مساره من سحر الارض واسرارها، الى سر قلب الأم، وانك يا ام فلسطين، لتلك الأم التي سنباهي بها الدنيا جيلا بعد جيل، وان كانت مباهاتنا لا تغني عن العمل على تحقيق الشعار الخلاق: الحرية لاسرى الحرية.
ويشد من ازرك يا امنا الغالية، ان سامرا ليس وحده في هذا الاختبار، واذا تركزت الاضواء عليه، فلأنه رمز للأسير الفلسطيني حيث كان، منذ محمود بكر حجازي، اسير المقاومة الاول، الى آخر شاب يختطفه قراصنة الاحتلال كما فعلوا مع مروان البرغوثي في عرض الشارع وفي وضح النهار.. ولهذا كان الطبيعي والعفوي والتلقائي ان تزأر الريح: يا سامر، فيرد الصدى بأصوات آلاف الاسرى، فكلهم سامر العيساوي، وامهاتهن ام رأفت وسامر العيساوي.
ويا امنا الغالية.. اسمحي في هذه المناسبة ان اهديك بوصفك خلاصة امهات الاسرى الفلسطينيين، ما قاله شاعرنا الراحل معين بسيسو عندما تم اقتياده واخويه في وقت واحد الى السجن:
لك الجماهير ابناء بلا عدد
فلست وحدك يا أماً بلا ولد
من لم تودع بنيها بابتسامتها
الى الزنازين، لم تحبل ولم تلد
فتحية الى ابتسامتك الشامخة المعتزة بسامر وبكل سامر، فأنتن كلمة السر التي تؤرخ، وفكرة العدالة التي تصون، ودمعة الحنان التي تواسي وتشد العزيمة، وأنتن اللواتي تؤكدن بقاءنا على ارض المقدسات فلسطين.