اوردغان .. ليس هكذا تورد الابل!!!-يحيى رباح
لم اشعر بأي نوع من المفاجأة، حين اعلن الزعيم التركي طيب رجب اردوغان انه من المحتمل ان يقوم بزيارة قطاع غزة في نهاية ايار المقبل، مع انني لا أزال امل ألا تتم هذه الزيارة بهذه الكيفية المعلن عنها.
ومن المعروف ان اردوغان هو قائد سياسي من طراز رفيع، ولا يقدم على اية خطوات بطريقة ارتجالية او انفعالية، وأظن انه يواجه في هذه المرحلة ضغوطا لا باس بها من المعارضة على خلفية المفاوضات التي تجريها حكومته مع حزب العمال الكردي، وعلى خلفية المصالحة التي تمت مع اسرائيل بطلب من الرئيس باراك اوباما.
ولعل الرجل يريد ان يضع هذه المصالحة مع اسرائيل في اطار يخفف عنه الانتقادات، حيث تسربت انباء في بادئ الامر ان المصالحة مرتبطة من الجانب التركي برفع الحصار عن غزة ولكن المصادر الاسرائيلية سارعت الى نفي ذلك بشدة.
وفي العادة فان السياسيين حين يواجهون ضغوطا فإنهم يحاولون الافلات ولو قليلا عبر القيام بخطوات شكلية واستعراضية يتم تضخيمها !!!وقد رأينا ذلك في بعض الزيارات التي قام بها اشخاص لهم اهمية مثل زيارة امير قطر، او زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل الذي زار غزة دون ان ينجح في اقناع اسرائيل بوقف القصف ولو لمدة ثلاث ساعات فقط وهي مدة الزيارة، او تلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الماليزي عبد الرازق، الذي التقط العديد من الصور وعاد بها الى بلاده لاستثمارها في المعركة الانتخابية التي يواجهه فيها خصوم اقوياء !!! ومع الاسف الشديد فان غزة تحولت منذ فترة الى منصة دعاية رخيصة التكاليف، حيث يأتي الزوار ويعودون الى بلادهم ولكن الحصار يبقى على حاله.
ولكن حجم تركيا ودورها في المنطقة يجعلها اكبر من ذلك، ومن هنا فان كل الزيارات التي اعلن عنها سابقا بزيارة اردوغان الى غزة لم تتم، لان الدور التركي يجب ألا يزج به في مثل هذه الدعايات الصغيرة، وتركيا الدولة المحورية في المنطقة لا يليق بها ان ينسب أي اتهام بتشجيع الانقسام ودعمه، او انها تزج بنفسها في لعبة المساس بالشرعية الفلسطينية او المساس بوحدة التمثيل الفلسطيني.
مواقف تركيا بالنسبة لنا هي مواقف مؤيدة وجذرية بكل ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية كما ان تركيا على اطلاع كامل بمقتضيات المصالحة الفلسطينية التي ترعاها القاهرة، والتي قطعنا فيها شوطا كبيرا ولم يعد امامنا سوى التنفيذ، وليس اعطاء الرهانات الخاطئة مددا جديدا للتشبث بالأوهام.
وبطبيعة الحال فلا احد يفكر في ان يجعل من نفسه وصيا على السياسة التركية، فمن حق اردوغان ان يفعل ما يريد، وهذا يعود له وللشعب التركي، ولكن من حق أي فلسطيني ان يعلن عن هواجسه وان يقرأ الصورة من زاوية نظر فيها قدر كبير من المصالحة وهذا ما يجب ان يحدث بين الاشقاء، وخاصة ان عمق العلاقات التركية الفلسطينية على مدى التاريخ الطويل يمنحنا هذا الحق وهذه الثقة بصدق النوايا. وأنا شخصيا لا اكاد اتخيل ان اردوغان يمكن ان يقوم بهكذا خطوة دون التشاور العميق والصريح مع اخيه الرئيس ابو مازن، فهذا واجب سياسي وأخلاقي تحتمه العلاقة العميقة بين الاخوة والأشقاء.
الانقسام الفلسطيني فقد قلت مبرراته وغطاءاته، وآن له ان ينتهي بمصالحة جدية نرحب بكل جهد مخلص في تحقيقها، وليس هناك مخلص واحد يريد للانقسام ان يتغذى على سوء فهم او ملابسات تأتي من هنا او هناك.