الدين بين صراع الأنغلاق والأنفتاح- الأسير ماهر عرار- سجن النقب الصحراوي
من جملة ما يستوقفني في هذه المرحلة التي تمر خلالها البلدان العربية بمخاضات بنيوية على مستوى المجتمع والدولة والوطن،هو جدلية الدين والدنيا وأستتباعا أمور الدنيا بمتغيراتها وأختلافها الجذري الحاد بين عصر ومرحلة البعث والنبوة والعصر الراشدي،وبين عصر الثورة المعلوماتية والدولة المدنية والقيم الدنيوية المعاصرة والحديثة . هذا الأختلاف تمثل في مدرستين دعويتين تختلفان حول الدين وجدلية أسقاطاته على أمور الدنيا ،أي أن الأختلاف لا يطال قيمة الدين وقدسيته وأنما يختزل في فهم الدين ومدى مقاربته الفقهية بين مراحل تاريخية تفصلها قرون هي مدعاة للتأمل بمدى تطابقيتها بين زمن وأخر مختلف بالشكل والحيثيات .. تتمثل المدرسة الأولي بالأسلامويين على أختلاف صنوفهم (السلفين والأخوان)وهم دعاة الدولة الدينية وأحياء وأعادة أنتاج نسق دولة السلف الصالح(دولة الخلافة الراشدة) بقوانينها ونظمها وأركانها التي حكمت وأستحكمت بمفاصل تلك المرحلة ،وبالغالب يعد هذا التيار عقائدي راديكالي يحمل في منظوره الديني مقاربة تطبيقية بين هذا العصر أي الراشدي وبين العصر الحديث والمعاش ،في هذا السياق تبرز حتمية الأنغلاق لدى هذا الفهم الديني ،أذ أن دعاته لا يعيرون أي أعتبار للفروق الصارخة بين زمنين متباعدين من حيث بنية المجتمع ونسيجه القومي الوطني والناظم القيمي الممارس ،بحيث يقود هذا التجاهل الى أحتكارية الدين والقصاص من نصف المجتمع أو يزيد الامر الذي يناقض فحوى الدين كقيمة روحية لا ترتبط بالشكل والأطار بقدر ما هي أيمان وعبادة خالصة بين الأنسان والله،بالتالي أنغلاق الدين والدفع بأتجاه أنفصامه وأثبات عجزه عن التفاعل والتكامل مع الأزمان ،وهذا يعد أسفاف بالدين وعولبته وتحجره وأنغلاقه على مرحلة بذاتها ..المدرسة الثانية دعاة الدين والمدنية أو علمنة الدين ،أن جاز التعبير ،أو بمعنى اخر دعاة أنفتاح الدين على الحاضر والمستقبل بما لا يمس بقدسيته وفقه المنزه المنزل ،وذلك مراعاة لجوهر أختلاف أنماط الحياة بين مرحلة أنبعاث الدين ومراحله المتتابعة حتى حاضرنا ،هذا التيار يفهم الدين بقيمته المعنوية الأيمانية ،ويرى منظروها من طائفة المفكرين وجوب ومشروعية الأنفكاك عن الأجتهادات التي أعقبت البعث وبالتالي أعادة فتح الأجتهاد بشأن الدين وعلاقته بأمور الدنيا والحياة الحديثة بنظرة علمية وفقهية معاصرة تحفظ الجوهر وتنظر بأسقاطات الدين وقابلية تؤيل تفسيراته لطبيعة المرحلة وتفاعلاتها وأفرازاتها ..
هذا التيار لا يجد مناص من طائلة التكفير من قبل السلفية ودعاة دولة الخلافة ودينية الدولة والمجتمع ،يمثل هذا الأختلاف صراع الدين بين الأنغلاق على الماضي وعسر أنعتاقه من براثنه ،وبين أنفتاحه على مختلف الأزمان . ولعل من الجدير التساؤل ،هل يشكل أنفتاح الدين وأعادة تعريف أسقاطاته على الحاضر ضرب من الشيطنة والكفر؟ ،في السياق لا أحسب نفسي فقيه بالدين ،لكن لربما بوسعي الأجابة بالنفي لطالما أن فهمي للدين يتمثل بأنه بعث للعالمين ،والعالمين تعني البشرية بأجمالها وبتنوعها الثقافي والقومي والقيمي ،الأمر الذي يعد مدعاة للتفكر ،بقيمة الدين وفحواه ومعناه ،وهل هو أداة حكم وأستحكام وتحجر؟أم يتلخص في عبادة وطاعة لله تختزل في ذات الانسان وليس بظرفه الدنيوي المجتمعي المعاش وبالتالي تكون عبادة الأنسان لربه بمعزل عن الأطار الحاكم لطالما كان الحلال بين والحرام بين وباب العقاب والحساب فردي وليس جمعي ،وما تبقى شأن يخص البشرية وليس من الكفر بمكان النظر فيه بنظرة وفهم حياتي دنيوي خاضع لعوامل الزمن وتنوع وأتساع المجتمع وتطور أدواة الحياة البشرية ونظمها السياسية والأجتماعية .