اللغة التي تموت- فؤاد ابو حجلة
لا أعترض على استبدال فنجان القهوة بكوب الاسبرسو أو الكابوتشينو، ولا يزعجني استبدال منقوشة الزعتر بالكرواسون، ولا أجد داعيا للاحتجاج على استبدال «السلام عليكم» بتلويحة «هاي»، فهذه كلها تعبيرات صغيرة عن تلوث محدود في الذوق العام، وهو تلوث غير مؤذ ويظل أثره محدودا في نطاقات مجتمعية ضيقة تشكلت بفعل التشوه الذي أصاب المجتمع العربي في مراحل الانفتاح المنفلت على الغرب وانعدام الثقة بالذات في العلاقة مع الآخر.
لكن ما يستفزني حقا هو الاستهانة باللغة العربية وإهانتها بالتطعيم غير البريء بالمفردات الانجليزية والفرنسية، وتوظيف التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة في اختراق اللغة وتشويهها عبر اللجوء الى ما صار يعرف بـ «العربيزي» أو «الفراكوفونية». ويتجلى هذا الاختراق في الرسائل النصية القصيرة في الهواتف المحمولة وفي محادثات الانترنت التي تعتمد بشكل كبير على المفردات الأجنبية.
بالطبع، لست من دعاة الانغلاق ولا يمكن أن أروج للجهل باللغات الأخرى، بل إنني أعتقد بأن إجادة اللغات سلاح مهم في تحصين الذات والمجتمع ككل، ووسيلة مهمة لتوسيع مساحة المعرفة والتفاعل الايجابي مع الثقافات الأخرى. لكنني أعترف بالحزن على هذا الاستهتار باللغة العربية وإهانتها بهذه الطريقة الفجة والوهم الرائج بأن من يلتقط مفردتين أو ثلاثا من لغة أخرى هو في الواقع ناطق بهذه اللغة. وهناك ما يدعو للغضب والضحك في آن واحد لدى رصد الأخطاء الفاحشة في استخدام الانجليزية أو الفرنسية في حوار العرب مع بعضهم، وقد سبق أن تناولت هذه الظاهرة في هذه الزاوية تحديدا واصفا أولئك المتورطين في هذا الكمين اللغوي بـ «قبائل الآي إز».
المشكلة الأكبر في اعتقادي هي ما تتعرض له اللغة العربية من تشويه نتيجة الضعف البائن في تدريسها في المدارس ونتيجة تأثير اللهجات المحكية على الشعوب العربية.
يستفزني هذا التشويه والاستهتار بقواعد اللغة في نشرات الاخبار التلفزيونية وفي تصريحات المسؤولين وفي بعض البيانات الرسمية التي تصدر عن الحكومات العربية. وقد أحبطتني حقيقة اكتشاف ضعف العرب في اللغة العربية وأنا أتابع أداء المذيعين والمراسلين في نشرات الأخبار في الفضائيات العربية الكبرى وفي الدكاكين التلفزيونية التي تعتمد الردح أسلوبا إعلاميا.
لا أبالغ إذا قلت إن لدينا جيلا كاملا من الجاهلين باللغة العربية والذين يعتقدون أن لهجاتهم المحلية هي اللغة بحد ذاتها. ومن لا يصدقني فليتابع نشرات الأخبار على معظم الشاشات العربية ليرصد هذا التجني على قواعد اللغة ويعرف كيف نهين هذه اللغة وننصب كل شيء فيها حتى لو كان فاعلا.
يبدو أن المسألة برمتها تختصر في ترويج النصب.