السلام والمصالحة لا يتناقضان - عادل عبد الرحمن
درج قادة الانقلاب الحمساوي على وضع المصالحة في تناقض مع عملية السلام. وكأن المسألتين في حالة تناقض وليس في حالة تكامل. وللخلط المتعمد من قبل الانقلابيين اهداف واضحة، اولها مواصلة وضع العصي في دواليب المصالحة؛ وثانيها تأبيد الامارة الحمساوية في محافظات الجنوب؛ وثالثها تضليل المواطنين وحتى المراقبين السياسيين في الداخل والخارج؛ ورابعها التحريض المتواصل على القيادة الشرعية وخاصة شخص الرئيس محمود عباس؛ وخامسها الايحاء بان حركة حماس عنوان ل"لمقاومة" والقيادة الشرعية عنوان ل"لاستسلام"!؟
ونسي او تناسى قادة الانقلاب الاسود الحمساويين، انه لا مجال لتحقيق الاهداف الوطنية وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 دون عودة الروح للوحدة الوطنية، واعادة الاعتبار للنظام السياسي الديمقراطي التعددي. المصالحة والسلام وجهان لعملة واحدة. ويخطىء من يعتقد للحظة، ان هناك إمكانية لتحقيق خيار حل الدولتين على حدود 67 دون وحدة الارض والشعب والاهداف والنظام السياسي الموحد. وبالتالي ضرب الانقلابيون الحمساويون على وتر التناقض بين المصالحة والسلام، هو بمثابة الضرب في قربة مخروقة، لا تمت للواقع بصلة.
ولا يمكن فهم إسترسال اولئك الانقلابيين إلآ لإن الاعلام الوطني غض النظر او لم يتصدى بقوة لمنطقهم الاحول. مما دعاهم لكذب الكذبة وتصديقها. فباتوا صباح مساء يرددون دون ان ترمش جفونهم بكذبتهم العوراء. واستخدموا مقولة الفصل بين السلام والمصالحة، وزرع التناقض المفتعل بينهما للاساءة للوطنية الفلسطينية ورئيسها ابو مازن ولعموم القيادة الشرعية.
وحرصوا من بداية إنقلابهم الاسود اواسط العام 2007 على خلط الحابل بالنابل، وتمرير الكذبة تلو الاخرى، مدعون ان القيادة الفلسطينية ورئيسها عباس خضعوا لإملاءات الادارة الاميركية، كما عاد كررها بالامس الناطق الرسمي لحركة حماس، سامي ابو زهري بطريقة تعكس الاسفاف السياسي، والهبوط الاخلاقي المريع للناطق وما يمثل، قائلا "نحن نقرأ ان ابو مازن متواطىء حتى اذنيه في حصار غزة؟؟؟!" واضاف صاحب التاريخ غير المشرف " أبو مازن يفضل المفاوضات وعملية التسوية على عبثيتها على المصالحة الوطنية". وتابع دون ان يرمش " وهناك ضغوط على ابو مازن لافشال المصالحة مقابل المفاوضات؟" وانزلق نحو الفجور السياسي عندما قال " هناك جهود من ابو مازن والسلطة ضد مصالح الشعب الفلسطيني (؟؟!!) والثمن يأخذه ماليا وسياسيا من واشنطن (!!؟؟)
وكان ناعق آخر يدعى النونو تحدث بذات اللغة الانقلابية والمعمقة للانقسام لتأبيد الامارة، مع ان المفترض لقيادة حركة حماس، بعد الانتهاء من انتخابات هيئتهم التنفيذية، وإختيار خالد مشعل ، رئيسا للحركة، ان تتجه نحو خطاب سياسي مختلف، خطاب سياسي إيجابي يدعم ويعزز المصالحة الوطنية، ويخفف من الخطاب المتناقض معها. ولكن من الواضح ان إحتفاظ وسيطرة الاتجاه المتنفذ في الانقلاب ، جناح غزة على مقاليد الامور في الحركة، وإتساع دائرة التناقضات بين تيارات الحركة، لاسييما وان الانتخابات الاخيرة للهيئة القيادية، فتحت الابواب على مصاريعها لتعميق التناقضات بين التيارات المعتدلة والمتطرفة، وبين الداخل والخارج، فضلا عن ان ابو الوليد، رغم فوزه بالرئاسة، إلآ انه فاز كسيحا، ومخضب الجناح، لان المنافسة بينه وبين اسماعيل هنية كانت قاسية، وتحالفهما المؤقت كان لمواجهة تيار الزهار وابو مرزوق.
وبالعودة لموضوع اميركا وضغوطها، فيمكن القول لاولئك الصغار في علم السياسة، والذين يفقتدوا لمعايير الادب والاخلاق في مخاطبة قيادات شعبهم وخصومهم، فعلى فرض ان اميركا كانت، ومازالت ضد المصالحة، هل الرئيس عباس ملزم بالخضوع للمنطق الاميركي؟ لماذا ؟ والم يدخل الرئيس ابو مازن في اكثر من حالة صدام مع الادارة الاميركية واسرائيل، في الذهاب للقمة العربية في سوريا، والذهاب لقمة عدم الانحياز في طهران والتوجه للارمم المتحدة للحصول على عضوية دولة مراقب نهاية تشرين ثاني الماضي، وغيرها من المواقف؟ وهل يستطيع الرئيس المنتخب من الشعب ان يتخلى عن مصالح الشعب في طليعتها وحدة الارض والشعب والاهداف الوطنية ووحدة النظام السياسي الديمقراطي؟ ولحساب من سيتخلى؟ اليست المصالحة شرطا ضروريا للاندافع نحو تحقيق اهداف الشعب واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران ع67، التي وافقت عليها قيادة حركة حماس؟ وما هو الثمن ايها الناعق غير مصالح الشعب العليا؟
رفضت اميركا ام قبلت المصالحة ليس مهما بالنسبة لمحمود عباس، المهم اولا وثانيا ... وعاشرا المصالح العليا الوطنية للشعب وفي طليعتها الوحدة الوطنية.
وآن الاوان ان تكف قيادة الانقلاب الحمساوي التباكي على قطاع غزة باسم الحصار، فزيارة هذا المسؤول ام ذاك لا ترفع الحصار عن قطاع غزة، بل تعمق الانقلاب الحمساوي. واية زيارة للمحافظات الجنوبية لا تصب في مصالح الشعب العليا. أضف الى ان غزة ومحافظاتها ليست حاكورة حمساوية، ولا هي تركة الوالد للاخوان المسلمين، بل هي للكل الوطني، ولعل احياء الذكرى الثامنة والاربعين للثورة المعاصرة وحركة فتح بمليونية حقيقية كشفت حجم حركة الانقلاب الحقيقي، حيث اعلنت الجماهير رفضها لسيطرة الانقلابيين على القطاع، واعلنوا ولاءهم للقيادة الشرعية برئاسة الرئيس عباس، واشهروا إنتمائهم لوطنيتهم بقيادة منظمة التحرير، ورفضوا بصوت عال جدا عملية التزوير لارادتهم طيلة الاعوام الستة الماضية.
بالمحصلة آن الاوان للرد بقوة على الانقلابيين الحمساويين، وعدم مهادنتهم، وفتح الخطوط مع الاتجاه المعتدل في الحركة لتعزيز مسار المصالحة الوطنية، وفي نفس الوقت التصدي لاي زيارة سياسية للقطاع تحت اي ذريعة او مبرر، لانها ذرائع واهية لا تخدم اهداف الشعب الوطنية، وتسيء لدور القيادة الشرعية والمنتخبة من الشعب وعلى رأسها ابو مازن.