متى يصل اعتذاركم؟- د. صبري صيدم
راقبت باهتمام كبير تفاعل وسائل الإعلام الأميركية مع العمل الجبان الذي طال حياة الأبرياء في تفجير بوسطن وتابعت معه ما كان يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي وتبعات ما كتبته إحدى الفتيات العربيات عن دعائها بألا يكون الجاني عربياً أو مسلماً خاصة وأن العروبة والإسلام قد دفعا ثمناً باهظاً لإجرام غيرهم من أبناء جلدتهم.
ولم يكن لتلك الفتاة إلا أن صعقت بحجم الأمنيات المماثلة التي جاءتها من كل حدب وصوب. ومع استمرار التحقيقات في جريمة بوسطن البشعة "اتحفتنا" المحطات التلفزية الأميركية بتوقعاتها وتنبؤاتها فتارة قالت بأن المشتبه به يحمل ملامح شرق أوسطية وتارة أخرى بأنه مسلم أو إسلامي كما يحلو لهم أن يقولوا. ليتبع ذلك سيل من التفسيرات والتأويلات التي جرحتنا جميعاً بتجنيها وكراهيتها الواضحيين.
ومع كل التحفظ على هكذا أسلوب فإن القفز للهجوم والشك في العرب والمسلمين بات أمراً متكرراً ومعتاداً لدى الكثير من المحطات الأميركية بل بات بالنسبة للبعض منها اليوم أمراً اعتيادياً ومقبولاً.
لذلك وأمام هذا السيل من التهجمات المباشرة وغير المباشرة كان من الحكمة أن يبحث المرء عن قنوات أكثر تعقلاً في حرب التسابق على السبق الصحفي. فاخترت شخصياً مشاهدة ما ستقوله محطة متزنة نسبياً كالبي بي سي والتي تحاول أن تتوخى الدقة أو هكذا شعرنا على الأقل عبر تاريخنا المهني. فوقعت عيناي على لقاء تجريه إحدى مذيعاتها المخضرمات على فضائيتها العالمية مع صديق سابق للمتهم الباقي على قيد الحياة والذي اتضح بأنه ليس شرق أوسطي لكنه مسلم.
المذيعة "الذكية" وجهت سؤالها "الفظيع" لذاك الصديق لتسأله إذا ما كان صديقه المشتبه به قد بدا "إسلامياً"؟ ! ثم أعادت السؤال بعد شعورها المحتمل بأنها قد تمادت في سؤالها فحاولت تعديل السؤال وإذ بها تزداد انغماساً في الخطأ لتعيد السؤال على ضيفها بالاستفسار عن إذا ما بدا صديقه "مسلما"؟ يا سلام !! ونعم السؤال! انتظروا لتقرؤا الإجابة. إذ قرر الضيف "الهمام" أن يبادرها بالنفي فوراً والادعاء بأن صديقه الموتور بدا "شخصاً عادياً"!! وكأنه يقول بأن الإنسان المسلم ليس شخصاً عادياً..يا سلام مرة أخرى!
هكذا ببساطة دمغنا ضيف أحمق بأننا كمسلمين "لسنا عاديين". بل هكذا وبسذاجة طلب منا أن نستسلم للقدح والشتم والسباب المتلفز والمسموع والمكتوب وأن يتحول ديننا اليوم إلى مذمة لبعض المرتجلين في عالم الإعلام تماماً كما هي المذيعة "المحنكة" التي لم تحسن السؤال وضيفها الأبله الذي لم يحسن الإجابة.
إن قتل النفس البريئة والتعرض للآمنين من خلال حياتهم أو مالهم أمر مقزز ومؤلم ومرفوض. وهو تصرف ترفضه كل الديانات.
لكن الديانات والتوجه نحو الإسلام والتعميم بالقدح كأقصر الطرق أمر مرفوض. والتعرض للدين الحنيف بهكذا وقاحة وتجن وإساءة أمر مرفوض أيضاً. فماذا لو استبدل الإسلام من قبل أبطال المحطات التلفزية بدينٍ آخر فهل يمكن لهذا الأمر وفي صدور أتباعه أن يمر بسهولة وتقبل أم أن الدنيا ستقوم ولا تقعد؟
لقد بات الهجوم على الإسلام والعرب تحديداً أمراً محزناً للغاية خاصة وأن أحداً منا لن يقبل القتل والدمار والتعرض للناس وأملاكها وأمنها بغض النظر عن دينها وعرقها وجنسها.
نعم نحن نعيش كعرب كبوة معرفية وحضارية كبيرة فقد غابت إنجازاتنا العلمية والأدبية والفكرية وتقهقرت قوانا لأسبابٍ عدة بصورة فتحت الباب للكثيرين بالقفز عنا وعن تاريخنا والخدش بنا دونما حياء أو تردد.
إن القاتل لا دين له وإن الاعتداء على الناس أمر مدان وبغيض. فلا مبرر لقتل الآمنين مهما اختلفت دياناتهم ومللهم وأعراقهم ومشاربهم. كما أن إساءة التعامل مع الأديان والاستهزاء بها أمر لا يأتي إلا في إطار الإمعان في التطاول والتجبر على الناس ومدارسهم العقائدية والفكرية واستمرار لواقع لا وازع فيه ولا ضابط.
سخريات القدر الأخرى تجلت عندما قرر أحد العقلاء أن يطرح سؤالا بات تقليداً: متى سيعتذر العالم المسيء لنا عن تجنيه تماماً كما اعتذرت دول وحكومات ومدارس عبادة عن تصرفاتها تجاه دين معين أو شعوبٍ معينة في حقب تاريخية خلت؟ سؤال أجاب عليه أحدهم بالقول بأن الاعتذار لن يتحقق إلا مع تعاظم قوة وحضور من عاش تجنٍ ما أو تطاولٍ معين ذات يوم...لذا فإن أمتنا العربية العظيمة اليوم ومن حيث القوة ومن حيث ولادة اللحظة المناسبة للاعتذار منها فحدث ولا حرج!!