استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله    قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين    الرئيس: الثورة الفلسطينية حررت إرادة شعبنا وآن الأوان لإنجاز هدف تجسيد الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. "فتح": الأولوية اليوم وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وإعادة توحيدها مع الضفة وتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. دبور يضع إكليلا من الزهور باسم الرئيس على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية    الرئاسة تثمن البيان الصادر عن شخصيات اعتبارية من قطاع غزة الذي طالب بعودة القطاع إلى مسؤولية منظمة التحرير    اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني  

اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني

الآن

أم على قلوب أقفالها : محمد خليفة

- معتقلات سوريا :  متاحفها .. أرشيفها .. ومقابرها !!
 حكى لي صديق عربي , وهو شخصية عامة معروفة , أنه تلقى دعوة لزيارة سوريا في منتصف التسعينات فلباها , ولما وصل دمشق وأخذوه إلى الفندق جاءه مندوب المراسم وسأله : يا سيدي ماهي الأماكن التي تودون زيارتها حتى نرتب لكم برنامج الزيارة ..؟  فأجابه  : سجل عندك .. أريد زيارة سجن المزة قبل اي مكان آخر . وجم الموظف ونظر إلى وجه الضيف كأنه يعاين مدى الجدية في تعابيره .. ثم سأله وقد ملكته الدهشة : سجن المزة ..؟؟ ماذا تقول سيدي ..؟ رد الضيف :  نعم سجن المزة  .. أريد زيارته قبل أي مكان آخر .. هل تسمحون  لي أم لا ..؟ إذا كان محظورا علي زيارته فلا أريد زيارة أي موقع آخر !.
واستأنف صديقي الحكاية بعد أن استعجلته التتمة لأعرف ما حدث  فقال  : في اليوم التالي  أبلغوني أن الرئيس ( حافظ الأسد) سيستقبلني على الساعة السابعة مساء على العشاء في بيته , ولما أدخلوني عليه وجدته واقفا وهو يضحك ضحكة عريضة ويقول لي : لماذا تريد زيارة سجن المزة ..؟؟ هل لك صديق فيه ..؟؟  فقلت له دعني اشرح لكم الأمر : منذ أن كنت صغيراوأنا  اسمع باسم هذا السجن باستمرار في الأخبار والصحف وحاديث السوريين  الذين نلتقيهم , حتى صرت مقتنعا أن سجن المزة هو عنوان سوريا المعاصر , والموقع الأهم فيها , أكثر من أي متحف , أو مبنى آخر .. فكم من رؤساء سوريا ووزرائها وسياسييها ومعارضيها  سكنه خلال الخمسين سنة الماضية او مات فيه أو خرج منه الى قصر الرئاسة والوزارة ...؟!! ضحك الأسد وقال له :  لا بأس إذن .. اذهب غدا وتفرج عليه كما تريد!. قال لي صديقي : لقد تبين لي أن زيارتي للسجن تطلبت موافقة الرئيس شخصيا , وأن  اي مسؤول آخر لم يجرؤ على الموافقة !!
تذكرت الحكاية .. وتذكرت أنهم أغلقوا سجن المزة وإحالوه على التقاعد عام 2000  لأنه لم يعد مناسبا ولا مؤهلا للقيام  بوظائفه  بعد تطور أساليب الخدمة واستقبال المعتقلين , وصار في( سوريا الأسد) معتقلات أكثر تطورا واكثر وحشية وقسوة  , كسجن صيدنايا  والقلعة وتدمر وعدرا والشيخ حسن ... وصار في اسفل كل بناية كبيرة مركز سري للاعتقال والتعذيب .  مئات وآلاف المباني العامة تحتوي في اسفلها مراكز للاستخبارات تفننت الأجهزة في اختيارها وتجهيزها بزنازين وتقنيات وأدوات تعذيب تكنولوجية  مستوردة من  روسيا وكوريا  بل واليابان  لا مثيل لها في هذا العصر في أي بلد . عدت وتذكرت الحكاية امس حين قال الثوار السوريون أنهم فوجئوابعد تحرير مستشفى الكندي بحلب من قوات السلطة بوجود سجن سري تحته مخصص للنساء  وعثروا فيه على مائتي امرأة . وعندها فقط فهموا سر استماتة قوات النظام في الدفاع عنه لأشهر من القتال  .  مستشفى الكندي هذا أعرفه جيدا , دخلته عام 1978 اسبوعا وتلقيت فيه العلاج . كبير حديث جميل يقع على رأس هضبة تحوطه الأشجار الخضراء الكثيفة , بعيد عن مركز المدينة , الهواء النقي والرياح التي لا تتوقف هناك تجعله مكانا باردا حتى في الصيف , والإقامة فيه تنافس الإقامة في أي فندق خمسة نجوم في أي مصيف مثالي  , إلى حد أني حين عولجت فيه توسطت لدى طبيب صديق فيه ليمددوا لي الإقامة  !!  ولم أتصور أن الوحوش أقاموا تحته معتقلا لحرائر سوريا البطلات .. ليتحول من مكان جميل وإنساني لعلاج المرضى وإنقاذ حياتهم وتخفيف أوجاعهم إلى مقر سري رهيب مظلم بارد  لدفن المعتقلات وهن أحياء , وتعذيبهن والاعتداء الجنسي عليهن بطرق تعف الحيوانات والوحوش عن اقترافها .
لا ادري ما حاجتهم  لمعتقل مستشفى الكندي السري وهو  لا يبعد إلا مئات الأمتار عن السجن المركزي لحلب , وهو مبنى  كبير جدا يستوعب الآلاف , شيد مطلع السبعينات في هذا الموقع لأن السجن القديم في وسط المدينة كان يشهد حوادث هروب متكررة . سجن يتسع لألاف السجناء , استولت الأستخبارات لاحقا على أجنحة كثيرة منه وحولتها معتقلات تابعة لها لا سلطة لإدارة السجن عليها . هناك مئات المباني في حلب تضم  في اسفلها معتقلات سرية . أكبر بناية للأوقاف في حلب احتوت منذ 1963 معتقلا , أكبر مدرسة ثانوية  في حي المحافظة أرقى أحياء حلب تحولت مركزا رئيسيا لأمن الدولة منذ أوائل السبعينات وعلى سطحها مدافع مصوبة في كل الاتجاهات واكياس رمل وجنود مدججون وجاهزون لإطلاق النار على أي أحد .. في حي هو الأرقى في المدينة .. الغريب ان هذا المشهد البشع المستفز  يقع تمام أمام قصر المحافظ حيث يسكنه (رئيس) المدينة ويستقبل فيه الضيوف .. بلا حياء ولا خجل !! 
قلعة حلب التاريخية الرائعة التي لا تضاهيها اي قلعة في العالم من حيث العظمة والجمال والأهمية حولوها قلعة لجنودهم ومدافعهم على اسوارها مصوبة نحو المدينة .. ولا يعلم غير الله كم معتقلا سريا فيها وكم من المعتقلين يختفي في سراديبها وانفاقها . على مقربة من مبنى الجمارك القديم يقع مقر الاستخبارات العسكرية وهو مكان ضخم يتسع للاف المعتقلين و الداخل اليه مفقود والخارج مولود  , مركز الإطفائية . ويعتقد كثيرون أن الثكنات العسكرية والمطارات الكثيرة في حلب واريافها تحتوي معتقلات حصينة على غرار ما اكتشفه الثوار حين اقتحموا ثكنة هنانو , وعثروا على معتقل سري فيه ثلاثمائة شاب سوري من ناشطي الثورة.
في عام 1975 أتيح لي بحكم عملي في القضاء حينها ان أكشف مع قاضي التحقيق والطبيب الشرعي على جثة رجل قتل عند جهاز امن الدولة  .. هل تعرفون كيف .. ؟؟ قتل على ( الخازوق ) وكانت أحشاؤه خارجة من جثته والدماء تغطي جثته  , والقتيل هو المحامي عادل كيالي , وكتب الطبيب الشرعي أن الرجل مات بسبب نزيف  معوي ناتج عن قرحة معوية !! هذا وقع عام 1975 .. فما بالكم بما يجري هذه الأيام ؟؟!!
عندما نقول إن سوريا الأسد كانت سجنا كبيرا فنحن لا نبالغ ولا نتخيل .. وعندما نقول إن أقصى ما يحلم به شعبنا هو  سوريا جديدة بلا اقبية سرية ولا معتقلات , ولا تعذيب ,  فنحن لا نجافي الحقيقة ابدا  !!
من أجل هذا الهدف البسيط ثار اطفال درعا وتبعتهم نساء دمشق ثم تبعهم  عشرون مليون سوري ,  ودفعنا  في سبيله ربع مليون شهيد وربع مليون من جنود النظام وشبيحته حتى الآن  , وعداد الموت ما يزال يدور والخط البياني يتصاعد !! وكم هو ثمين هذا الحلم  وغال ..؟؟
وكم كان محقا صديقي العربي الذي قال للأسد إن تاريخ سوريا المعاصرة كله مرتبط بالمعتقلات والسجون , وأن هذه هي متاحفها وأرشيفها التاريخي والوطني ؟؟!!

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025