في موضوع تبادل الأراضي- يحيى رباح
شكراً للشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الذي استطاع على رأس اللجنة الوزارية العربية في محادثاتها في واشنطن، إعادة تسويق بضاعة قديمة لم يقبل بها أحد منذ طرحت في قمة بيروت عام 2002، وعلى امتداد أحد عشر عاماً.
وأن يثبت أن هناك فعلاً شيء اسمه مشروع سلام عربي وليس هذا الضجيج الفارغ الذي نصرخ به في وجوه بعضنا كلما «دق الكوز في الجرة» على حد قول المثل الشعبي الفلسطيني.
ولكن ما أن نجح الرجل على رأس اللجنة الوزارية في دفع جون كيري ليشيد بالمبادرة من خلال الحديث عن تبادل أراض طفيف، حتى هبَ النائمون من مراقدهم وبدأوا يصرخون كالمجانين.
دعوني أشرح للقراء الأعزاء- وحسب متابعتي المتواضعة- حقائق الأمور بعيداً عن هذا الصراخ الذي يوافق أصحابه في العادة على ما هو أقل منه بعشرات المرات.
تتذكرون أن مبادرة السلام العربية، ولدت فكرتها أصلاً من حوار معمق أجراه الصحفي الأميركي الشهير «توماس فريدمان» من صحيفة نيويورك تايمز مع صاحب الجلالة، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان لا يزال ولياً للعهد، وكان جوهر الحوار كيف يمكن للعرب تحفيز الإدارة الأميركية لبذل جهد أقل انحيازاً لإسرائيل في موضوع صراع الشرق الأوسط، أي موضوع القضية الفلسطينية، وكان الجواب هو هذه المبادرة التي أطلقها صاحب السمو ولي العهد، الذي هو الآن جلالة الملك، وتبنتها القمة العربية في بيروت، بأن العرب بكل دولهم، وفيما بعد كل الدول الإسلامية، على استعداد أن تقيم سلاماً شاملاً مع إسرائيل إذا ما انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في العام 1967 وتم إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وطوال تلك السنوات، ظلت إسرائيل ترفض التعامل مع المبادرة، بل قامت بسلوك استفزازي، ولكن المبادرة صمدت بحكمة الحكماء وشجاعة الشجعان، وظلت الدوائر السياسية في العالم ترى أن هناك مشروع سلام عربي وإسلامي مستند إلى المشروع الوطني الفلسطيني الذي هو في الأصل مستند إلى قرارات الشرعية الدولية.
ومنذ طرحت المبادرة، وجد لها معارضون بشكل مباشر وغير مباشر، فتشكل ما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة، وقد تلاشى الآن، وأعضاؤه اليوم يبحثون عما هو أقل مليون مرة من مبادرة السلام العربية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن أعظم أمنية لدى حماس الآن أن تظل اتفاقية التهدئة التي أبرمتها مع إسرائيل بوساطة مصرية قائمة ليس إلا، أما بقية أطراف المحور مثل سوريا وإيران وحزب الله فهم متورطون اليوم في قطاعات ساعدهم الله على الخروج منها.
والشيء الآخر: أن فكرة تبادل الأراضي طرحت في محادثات كامب ديفيد الثانية التي أجراها الفلسطينيون والإسرائيليون قبل العام 2000، وكانت إسرائيل هي التي ترفض، لأن إسرائيل في حقيقية الأمر لا تريد تبادل أراض ولكنها تريد تبادل سكان من خلال طرح مقولة الدولة اليهودية، وملخص هذه المقولة.
والكل يعرف ذلك، ولكنهم يسمعون الكلام ويحرفونه عن موضعه.
بل إن بعض الذين بدأوا يصرخون هم في حقيقة الأمر متورطون في مشاريع تبادل أراض على المستوى الإقليمي، وأنا على ثقة بأن رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية وكل أعضاء اللجنة الوزارية يعرفون تفاصيل كثيرة مملة عن تلك المشاريع المتورط فيها الصارخون والمعارضون!!!
وقد كشف لنا قبل أيام هذا الشيخ المزيف الأرعن حازم صلاح أبو إسماعيل من أقطاب الإسلام السياسي عن فضيحة أعمق حين طالب بضم قطاع غزة بسكانه المزدحمين فيه إلى مصر، وينتهي الأمر، بينما الأكثر اعتدالاً من الشيخ صلاح أبو إسماعيل يعرضون ذهاب غزة إلى سيناء عبر التوسع بضع كيلومترات ليكون ذلك بديلاً عن فلسطين!
هناك فرصة سانحة الآن، وقد لا تكون مؤكدة، وأصحابها الأميركيون أنفسهم يقولون إن الوقت يضيق أمامها، والفرصة هي الرئيس باراك أوباما يعلن عن رغبة في بذل جهد جديد وأخير للعثور على حل، الفلسطينيون جاهزون ولديهم دعم المجتمع الدولي وقرار اللجنة العامة الأخير، ولكن هذا القرار يحتاج إلى تفعيل، أي جعله يتجسد في الواقع السياسي على الأرض، وهذا يأتي عبر مبادرة السلام العربية التي مازالت حية، وقابلة للتفاعل، وقد ذهبت اللجنة الوزارية العربية إلى واشنطن لتكون جزءاً من قوة الدفع، ولتجعل المبادرة جزءاً إيمانياً من التصور الجديد، لأن الحقوق والمقترحات الجيدة إنما تحيا بالتفاعل وليس تخزينها في مخازن الذاكرة الخلفية على طريقة الأندلس، والإسكندرون، وعربستان.... وغيرها، والحقوق والمبادرات تحيا بالتفاعل والتعاطي والأخذ والرد وليس عن طريق الحفظ والتعليب والتخزين ثم الصراخ بعد ذلك ببعض الشعارات القديمة المكررة!!!
ثم إن هناك وقتاً للرفض، والبكاء، والصراخ، عندما تنتقل من تبادل الأراضي إلى عملية التبادل نفسها، أين هي هذه الأرض على وجه التحديد، ما هي المزايا وما هي النواقص، أما قبل ذلك، فكل ما نسمعه ليس سوى الهروب من المسؤولية، وليس سوى هراء.