ذو العمامة السوداء - عدلي صادق
عندما صعد نجم نصر الله، الى عنان السماء العربية؛ كنا نسخر من السلفيين وغيرهم، أو نستهجن موقفهم، وهم يقابلون بفتور، أنباء مقاومة "حزب الله" و"وعده الصادق" ونرى في أحاديث هؤلاء، عن المقاصد الطائفية لجماعة الحزب، قولاً خارجاً عن السياق. وفي الحقيقة، استفاد الحزب، من حال الانكسار العربي العام، ومن خلو الميادين، من منظومات عسكرية جاهزة للقتال، ليتفرد هو، في لحظة من عمر التاريخ، باستثناء جزئي، علماً بأن الطبيعي والبديهي والواجب، هو أن تتصدى أية مجموعة عسكرية مدربة ومتوافرة، لأي عدو يستبيح أرضها. ولم يأت التميّز لـ "حزب الله" في فترة العدوان على لبنان، إلا بسبب هدوء الجبهات (لا سيما الجبهة السورية على الرغم من استمرار احتلال الجولان) وحيثما تلاشت إرادة المقاومة. لكن المقاومة التي لم تكن تلاشت عند "حزب الله" في تلك الأثناء، هي تلك أضمرت نوايا على صعيدي الداخل اللبناني والإقليم، حفزّتها على الدفاع عن مبرر وجودها، فيما هي تسعى الى التحقق والغلبة، بشروط استثنائية، في بلادها، موصولة بنظاميْن طائفيين استبدادين، في كل من إيران وسوريا.
هذه المقاصد، افتضحتها التطورات السورية التي جعلت أكثر الخطباء مراساً وطلاقة وبلاغة، في المنطقة العربية، يحيد عن التقوى وعن الحق وعن العدالة، على النحو الذي اعتقده السلفيون وغيرهم مبكراً، من موقع ثقافتهم أو فقههم.
نصر الله، لا يكترث لضحايا سوريا، ولا لمساجد أهل السنة، ولا للأطفال أحباب الله الذين يذبحون، ولا يرى استبداداً في سوريا ولا إجراماً. يتباكى على فلسطين، وكأن أطفال فلسطين وأهل فلسطين، أعز عند الله، وأهم بمعايير الإنسانية والأخوّة العربية والإسلامية؛ من أطفال سوريا. فنصر الله يتوجع على مقام السيدة زينب. أما مساجد سوريا، جديدها وعتيقها، فلا غضاضة في أن تصبح أهدافاً للدبابات وللطائرات صائدات المآذن والمنازل، مثلما لا غضاضة في أن تصبح رقاب الأطفال، نهباً لسكاكين شبيحة مخمورين، ولنيران جيش "الممانعة"، الذي هو، بخلاف كل جيوش الدنيا، لا يحب الشعب ولا يحس به، وبالتالي يستبيح دمه.
التقوى عندنا، تقتضينا أن نقول بلا تلعثم، ما لا يستطيع نصر الله أن يقوله ولو متلعثماً: إن من يأخذ حجر بن عدي الكندي، بجريرة بشار الأسد وشبيحته المخمورين وقواته التي تقتل وتدمر؛ آثم وملعون، ولا يمثل ثورة سوريا. بل إن هذا الذي ينبش قبر صحابي من شيعة علي، رضوان الله عليه، هو من الصنف الذي تحدثنا عنه مراراً، عندما قلنا إن القتلة والمستبدين يُنتجون بعض أعدائهم على شاكلتهم، قبحاً واستهتاراً بالقيم وبالمواريث الدينية والاجتماعية والإنسانية. أما أولئك الذين يقاومون الفحشاء والاستبداد، فإنهم ـ أصلاً ـ يتمثلون الموقف النقيض للطرف الباغي، الذي قتل حجر بن عُدي في عدرا بريف دمشق وواراه فيها. فحجر هذا، يُفترض أن يكون أقرب الى الثوار من حبل الوريد، شأنه شأن سعيد بن جبير، وهو ألمع الفقهاء في عهد بني أمية، وأبغضهم للظلم. لقد قتله الحجاج الأموي، ذبحاً، ويفترض أن يكون القاتل الأموي، هو الأقرب الى الباغين الأسديين والى أتباع نصر الله، بمعايير السلوك وسفاهة القول وانعدام التقوى.
الشهيد، عند نصر الله، بات هو ذاك الذي يرتحل الى سوريا، لكي يقتل الآمنين، فيُقتل وهو يقاتل مقاومي الطغيان الكفرة، الذين لا يؤمنون بدين. والمقدسات عند نصر الله مجتزأة وتقتصر على مقامي السيدتين زينب بنت علي والسيدة سكينة ابنة أخيها الحسين. ولا يتوقف نصر الله، عند مفارقة جارحة، وهي أن الجامع الأموي الكبير في حلب، يُحاسب على اسمه الأموي، وأن هذا المَعْلَم التاريخي الإسلامي الذي بُني في العام 96 هجرية، لم يُمس إلا من ثلاثة أعداء لا ينبغي أن يختلف اثنان على همجيتهم وبغضائهم للدين: الرومان في عهد فوكاس، والتتار بقيادة هولاكو، وابن حافظ الأسد. ناهيك عن المسجد العُمري في درعا، الذي انطلقت منه شرارة الثورة ثم انفجر بوميضها المجتمع. فقد بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعل هذه هي واحدة من محفزات الدبابات، صائدات المآذن والمنازل، التي قصفته.
يُستعاد في هذا السياق، قول لوزير خارجية العراق الأسبق طارق عزيز، وهو مسيحي كما هو معلوم. فعندما سأله جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي، في لقائهما قبل الحرب الأميركي الأولى على العراق: ما الذي يجعلك، وأنت المسيحي، تكرر الحديث عن المقدسات الإسلامية؟ رد عزيز قائلاً: إن مقدسات شعبي هي مقدساتي.
فأي شعب ذلك الذي يتمثله أبو عمامة سوداء حسن نصر الله؟ وأي اجتزاء شائن، لمقدسات الشعب السوري؟ وأية صدقية، لكلام الاستهلاك الدعائي، عند الحديث عن ألم يتعلق بفلسطين وشعبها، إن كان هذا الشيخ لا يألم لموت المواطنين السوريين بمعدل 138 يومياً (حسب إحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان) بينهم ثلاثة عشر طفلاً في سحابة كل يوم. فذو العمامة الطائفية السوداء، دعيْ تحرير حيفا وعكا؛ لم ولا ولن يألم، بدليل أنه لم يسمح لنفسه بأن ينطق كلمة اسف واحدة على الضحايا الأبرياء.
أخيراً، مثلما يتسبب الطغاة المستبدون في ظهور المتطرفين، وتنسب اليهم ـ بالمنطق ـ عملية انتاج هؤلاء الغُلاة، بشكل غير مباشر، من خلال الطغيان وسحق الكرامات والإمعان في اعتصار المجتمع فساداً وإقصاءً؛ فإن حديث نصر الله، من شأنه أن يُعلي من شأن "النُصرة". فالتطرف يستدعي التطرف، والنكران يستدعي النكران، وتجزئة المشاعر والوجدان الوطني، تنتج ردود أفعالها. إن ردود الأفعال هذه، ستكون مروّعة، وسنرى.
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail