سنظل ننفض جانباً أفعالَكُم ونسمو فوقَ فوقكُم - آصف قزموز
قالوا إن حصاناً سقط في بئرٍ عميقة، وأخذ يصهل بأعلى صوته عسى أن يسمعه صاحبه فيتحرك لينقذه بأي طريقة. ولما حار الرجل في إيجاد حلّ لإخراج الحصان. وكعادة بني البشر في هذا الزمان، بدأ صاحب الحصان فوراً وقبل أن يكلف نفسه عناء المحاولة باستحضار المبررات والمسوغات لإقناع نفسه بالاستغناء عن الحصان وعدم الحاجة له، باعتبار انو بَطَّل يجيب هَمُّو، وأخذ يقول في نفسه: لَشوا كل هالغَلَبِة وْوَجَع الراسْ، مالحصان صار عجوز وما عاد مِنُّو فايدِة وأنا مش بحاجْتُه، يعني خسارة فيه الأكِل اللي بْيُوكْلُه وما في ضرورة لإنقاذُه، والبير مهجورة وبحاجِة لَطَمَمْ أصلاً، وحتى ما تطلَع ريحتو وِتلَوَّث البيئَة وتزعج الناس، أحسن شي نِدِفْنُه بأرضُه بِالْحَيَا وِنْطُم البير فُوقُه (طبعاً في بلادنا فيش أكثر من اللي بيوقعوا وسَرْعان ما بْتِكْثَر سكاكينْهُم وبنقوم بدفنهم بِالْحَيَا باعتبار ما عُدنا بحاجتهُم وإكرام الميت دَفْنُه وبِيصيروا بنظرنا أموات مع أنهم الأكثر منا حياةً وحياءً وحيوية).
هب سكان القرية بمعاولهم يساعدون الرجل في ردم البئر العميقة، لطمس معالم الحقيقة، فوق رأس الحصان الذي لم تشفع له سنوات خدمتُه عند صاحبه، مثل الكثيرين من البشر، الذين يفنون حياتهم في الخدمة الوظيفية وفي النهاية يُدفنون بالحَيا ويخرجون ربي كما خلقتني، وْزَي ما انتو عارفين الثور لما بْيِقَع بْتِكثَر سكاكينُه، وِاللي ما إلو ظَهِر بْيِنِضْرِب على بَطْنُه.
تصوروا في سورية مثلاً تجدون النظام يقاتل ويهدم ويدمر بلا هوادة باسم الدفاع عن الشعب والوطن والحرية، والمعارضة بكامل ألوانها واختلافات مشاربها تقاتل وتدمر وتَفتي وتُكَفِّر وتُحَلِّل وتُحَرِّم باسم الدفاع عن الشعب والحرية والديمقراطية المزعومة. شو بدكوا بطولة السيرة، ظل الرجل وأعوانه يهيلون التراب وكامل أوساخهم فوق الحصان، لكنه كان في كل مَرَّة ينفض عنه الأوساخ والثرى لتسقط تحت حوافره فيرتفع ويعلو فوقها، ويا عيني شو في ناس بْتِنِظلِم وبْتِنِضرِب على بَطِتها وقفاها ومع ذلك تنهض وتَعْلو على الجِراحْ، وهكذا استمر الحصان ينفض الأوساخ جانباً ويأخذ في كل مرَّة خطوة الى أعلى، وطبقةً فوق طبقة حتى وصل الى مستوى حافة البئر، فدهش الرجل والناس جميعاً، وبُهِتَ الذي كَفَر وأسقِطَ في يديهْ، ولاذوا جميعاً بصمتهم من هَوْلِ صدمتهم، تماماً كَكُل الأفاكين والمتآمرين والجاحدين تجاه الأوفياء ممن خدموهم وخدموا الشعب والوطن، حينما يفاجئوهم وهم يخرجون بسلام وأكثر قوة من تحت حرابهم وشِباكِهِمْ ومكائدهم.
انها رسالة لكل الذين يسعون لهدم الأوطان وتقسيمها، وقتل الناس واضطهادهم وأكل حقوقهم وأموالهم بغير حق. وأصحاب الفتاوى التي تعصف بالناس من كل حدبٍ وصوب، والمتشيخين المتأسلمين الذين يضيقون سبل الحياة ومساحات الحريات ويشغلون الناس بالسطحيات وخزعبلات ليس أقلها الجَدَل حول الدخول بالرجل اليمين وليس اليسار، وتكفير من لا ينتخب مرشحيهم، حداً بلغ تأليه رؤسائهم وتشبيههم بصفات الأنبياء والخلفاء الراشدين، ويحطون من قدر المرأة باعتبارها عَوْرَة الى حد القول: تِكْرَمْ أو أجَلَّكَ الله عند ذِكْرِها، ويمتلئون بالفراغ القاتل للفضيلة لحساب الرذيلة والزور والبهتانْ، والخداع وإن على حساب قضايا الأوطانْ. فاليوم تُبادُ شعوب وهي تهُبُّ من منيتها صوبَ الحُلُمِ، مُستيقظةً بعد طولِ سُباتِ من رَقدَةِ العَدَمِ، وتُهدَم دول من على بَكرَةِ أبيها بيد أبنائها لحسابات فردية عائلية وحزبية ضيقة، تمتد على خط الإخوان المسلمينْ، العابر ما بين غزة والقاهرة مروراً بتونس وليبيا حتى دمشق وأسفَلَ سافلينْ، والحبل ما زال على الجرار منفلتاً على الغارب بلا حينْ، وعلى طريقة جوزِك وِان رادَالله ولو قَتَلوا الناس أجمعينْ.
نعم إن في هذا ما يكفي للقول لأولئك الذين امتشقوا سيف الكذب بالدين زوراً وبهتاناً، ويلقون بأسمالهم وأسَنَهم طَمَماً لدفن حريات الناس وجل المشروع الوطني الفلسطيني، لصالح حساباتٍ وأجنداتٍ وأطماع فردية، وأحلام وفصائلية، فقسموا الوطن وكَفَّروا الناس ولعنوا إمهُم بِْعَزا أبوهُم، وهم يسعون لدفن الحلم الوطني من خلال مشاغلة الناس وتضليلهم وقمعهم، حداً وصل لإطلاق الفتاوى التي تعتبر التصويت الانتخابي حراما، وعَبر التباكي على سُنَن وفرائض الدين الحنيف ومكارم الأخلاق، فيكذبون ويكذبون مثلما يتنفسون وأكثر، في قَولَة حقٍ أريد بها باطل بائنٍ بينونةً كبرى وأكبَرْ، للأعمى والبصير والطويلِ والقصير. فتارةً يُسَعِّرون حدَّة تطرفهم وتشددهم وتحارصهم الموصلِ لضدَّه، وهم في ذات الوقت يحيكون المكائد والفتن السياسية ويعرضون العروض السياسية البالغة التنازل خِلسَةً من وراء حجاب تحت وابلٍ من ضجيج الشعارات المتشددة والمزايدة، ليذروا الرماد في عين الشعب ويضعفوا المفاوض الرسمي الفلسطيني أمام الخصم !! وهذا الحال يتجلى اليوم على يدِ الإخوان في كل مكانْ، من غزة لمصرَ والسودانْ، الى بغداد وعمانْ، فسورية ولبنانْ، والحَبل على الجرارْ ما دامَ على الغارِبِ بلا عنوانْ.
إن كل هذه السلوكيات والشعارات النارية التي يطلقونها كذباً وفِرْيَةَ باسم الدين، هي أسوأ كثيراً من الشِّرْكِ والكُفر، لا بل وتشكل مسوغاً وسلاحاً للأعداء والخصوم ضد الدين أولاً، وهم لا يجهلون هذه الحقيقة لأن الدين ليس شأنهم الحقيقي بقدر ما هو أداة وعِدَّة نَصب يمارسون من خلالها أهواءهم، لكن إرادة الشعوب ستظل الأقوى وسينفضون أوساخ هؤلاء تحت أقدامهم ويأخذون الخطوات الى الأعلى. كيف لا ونحن نشاهد مأساة الانقسام الدائم بانقلاب "حماس" في غزة، ومحاولاتها المفضوحة لترسيم الانقسام على حساب ما ينشده الشعب من مصالحة وطنية حقيقية تنهي الانقسام الى غير رجعة وتوحد الشعب والوطن تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.
إن عمليات الدفن وإلقاء الأوساخ الناضحة بصفات مُلقيها، لا تنحصر في الشأن السياسي العام وحسب، بل تتعدى ذلك وتتوغل في كل مناحي حياتنا ومستوياتها من عاليها لِواطيها. فما أكثر الفاشلين الذين يحاولون ستر عوراتهم وفشلهم من خلال طمس المخلصين والمبدعين الأشرف والأكرم منهم جميعاً، فلأجلِ أن يُظْهِرَ بعضهم نَفسَه على الناس تجدهُ يدفع بغيره في الظلام، فيحجب النور عن أعمالهم إن لم يسرقها أصلاً ليسوق على الناس أضاليلهُ وبضاعته الفاسدة. فالفساد والسرقات بأوجهها المختلفة، وقنص حقوق الغير بغير حق، وتَسَيُّد الجاهلِ فوقَ العالم، والفاشلِ فوق الناجحْ، والظالمِ فوق الصابرِ المظلومْ، والداعِرِ فوق الشريفِ المَكلومْ، والعبد فوق الحُرِّ المَخْمومْ، والفتَّائين على العقلاء والمؤمنين. كلها عمليات طَمَمْ وقُماماتٍ تُطاوِل القِمَمْ، وفجور بالدين يهدم البيت والحَرَمْ، فيلوث أعلانا ويخذل أسرانا والعِلمَ والعَلَمْ، يا سارقاً مني الدَّواةَ والقرطاس والقَلَمْ، بئس الفتاوى الباطلة باسم الدين ودعوى حاجات الأممْ، لست الشريف المؤتمن وأنتَ الخَصمُ وليسَ الخَصْم والحَكَمْ. وسنبقى ننفض جانباً أفعالكم لنسموا فوقَ فوقَكُم وفوقها ونُعلي رايةَ الوطنْ.