استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله    قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين    الرئيس: الثورة الفلسطينية حررت إرادة شعبنا وآن الأوان لإنجاز هدف تجسيد الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. "فتح": الأولوية اليوم وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وإعادة توحيدها مع الضفة وتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. دبور يضع إكليلا من الزهور باسم الرئيس على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية    الرئاسة تثمن البيان الصادر عن شخصيات اعتبارية من قطاع غزة الذي طالب بعودة القطاع إلى مسؤولية منظمة التحرير    اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني  

اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني

الآن

الدين والسياسة- عدلي صادق


من بين البرامج المستجدة، على شاشة تلفزيون فلسطين، هناك ما يناقش إشكاليات العلاقة والتقاطع بين الدين والسياسة. وفي الحقيقة، استحدث تلفزيون فلسطين، عدداً من البرامج الناجحة والمهمة، في خطة ارتقائه التي انتظرناها طويلاً، فبدت هناك إرهاصات قيامة جديدة، واعدة، للشاشة الوطنية!
علاقة الدين بالسياسة، لطالما استحثت نقاشاً حاداً مشحوناً بالتوتر بين من يقولون بالقطع التام، بين الفضائين، ومن يقولون بوجوب التطابق بينهما. ولدى كاتب هذه السطور، وجهة نظر، في مرجعيات الرأيين، إذ يستند رأي القطع، الى ما انتهت اليه الدولة الحديثة في أوروبا، في العصور الوسطى، من ضرورة الفصل بين الدين، ممثلاً بالكنيسة عندما تردت ممارساتها الدنيوية قاطبة. أما الرأي القائل بالتطابق، فإنه ـ في بعض مرجعياته ـ يستعيد منطق الفقه المساند للأوساط الحاكمة، في عصور ما بعد الخلفاء الراشدين، وهي ذات تاريخ مضطرب، مستبد أحياناً، ولم يتسم في كثير من محطاته، بسمات الدين السمح، الذي يعتمد الحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن!
غير أن كلا الرأيين، في مداهما الأقصى؛ باتا اليوم بعيدين عن زمننا، وعن ظروف مجتمعات عربية وإسلامية، ذات تنوع ديني ومذهبي وثقافي. ثم إن الشروحات المطمئنة نظرياً، من أصحاب كلا الرأيين (في مداهما الأقصى) لا تعززها التجارب ولا الوقائع، ولا الاحتمالات المنطقية. والثابت الوحيد، في هذه المسألة، هو أن الدين حقيقة فكرية ملازمة لحياة الناس ولا يمكن القفز عنها، مثلما إن موجبات الحكم وضروراته، اقتضت الأخذ بقواعد عمل الدولة، من حيث هي إطار جامع يتوافق عليه الشعب، أو الأمة، لكي يكون حَكَماً نزيهاً بين الناس. فالدولة نتاج تعدد الخصوصيات، وقد نشأت لكي تنظم حياتها المشتركة.
إن النقاش في هذه المسألة، لا يمكن تجنبه. وكان الإصلاحيان الفقيهان، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، قد أحسا مبكراً بإشكالية هذه المسألة، على الرغم من كونهما في معرض التأريخ للأصولية، يُعتبران مؤسسيْ فقهها الاجتهادي؛ والتحق بهما، بعدئذٍ، تلميذهما اللبناني الطرابلسي محمد رشيد رضا، الذي كان حسن البنا، مؤسس جماعة "الإخوان" قد تأثر بكتاباته. فهؤلاء حسموا الأمر بتعيين الفارق الشاسع بين فضاء الدين وفضاء الدولة. الأول إلهي سماوي منـزّه، والثانية بشرية خطّاءة، ولا يستوي أن يتطابق الفضاءان!
هذا حديث يطول. ما يعنيني هنا، هو لفت الانتباه الى أمر لم يأت عليه ـ ربما ـ أي نقاش، وهو أن اعتراض القائلين بالقطع، على رأي القائلين بالتطابق والانغماس، يتعاطى مع الدين، باعتباره هو نفسه الذي تجسده الجماعات التي تتطلع الى الحكم، أو تلك التي حكمت. وفي الواقع، إن هذه رؤية خاطئة، حتى وإن كنت أرى في الدين، منظومة قيمية روحانية، ضرورية، هي بمثابة بوصلة للسلوك في الحكم وفي الحياة.
مكمن الخطأ في رأي القائلين بالقطع التام، يتعلق بعنصر الرعب أو التطير من حكم من يسمون أنفسهم "الإسلاميين"، على قاعدة أنهم يمثلون التجسيد الحي الناطق للدين الإسلامي. فمن خلال الواقع، ترتسم هنا مفارقة طريفة، وهي أن انطباعات القائلين بالقطع، عن هؤلاء "الإسلاميين" تأسست معظمها نتيجة ممارسات محرمة، أو مكروهة، ونهى عنها الإسلام. ولنأخذ تجربة كاتب مثلي. فمن خلال مراجعة كل ما كتبت، في نقد حكم "حماس" في غزة مثلاً، أو ممارسات "أبي سيّاف" في الجزائر والعراق والفيليبين ومصر والسعودية وغيرها؛ كان في معظمه أشبه باعتراضات شرعية على ممارسات ينهى عنها رب العالمين. انتقدنا التمثيل بالجثث والتعذيب قبل القتل، على قاعدة أن الإسلام يحض على الإحسان في كل شىء. فقد اعترض رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، على مسلم ألقى بثقله وجثم على ماعز لكي يذبحها. صرخ في وجهه: "أتميتها ميتات، لقد كتب الله الإحسان في كل شىء..". واعترضنا على مصادرة الرأي الآخر، وقد أقر الدين بحق الإنسان في طرح رأيه وأوجب عدم إنزال العقاب بصاحبه. واعترضنا على البذخ والمغالاة في الجمارك، أي المكوس التي كان يكرهها رسول الله، وقد حث الدين على الزهد. وكتبنا عن الصولجان والأبهة الفارغة، إذ تعلمنا لماذا نام ابن الخطاب قرير العين. وكتبنا عن الكذب واللعب بالفتاوى، وهما ذميمتان أشبعنا الدين الحنيف، وصايا لاجتنابهما. فالممارسات التي شكلت انطباعات القائلين بالقطع، ليست إنعكاساً لحكم إسلامي، وإنما هي نتاج آنية تنضح بما فيها!
غير أن حقائق الحياة السياسية للأمم، لم ولا ولن تساعد على أن تتولى فئة ما، مهمة تديين الناس، بقوة سلطة الدولة، وكأنها مكلفة من رب العزة. فهذه متاهة، لن تضيع فيها الأمم ذات التنوع الديني والثقافي وحسب؛ وإنما ستضيع فيها أيضاً الدولة، لو كان جميع سكانها منخرطين في جماعات وأطر "إسلامية". فكم حزب "إسلامي" مثلاً في مصر وفي العراق؟! لنأخذ الأولى، وفيها "إخوان" وسلفيون، ومتفرعون عن سلفيين، ووسطيون متفرعون من "الإخوان" وطرق صوفية عدة، وسلفيون جهاديون، تفرع منهم سلفيون "تائبون" أقلعوا عن فقههم في السجن. لنفترض أن هؤلاء كانوا هم كل الشعب، فهل سيتفقون، رغم أن لا طرف منهم يعترف بصواب مناهج الأطراف الأخرى؟!
إن عمل الدولة، هو عمل السياسة، والاثنتان خطّاءتان، والدين مُنـزه. وعندما أمرنا رب العزة بأن نحكم بما أنزله، كان الأمر يتعلق بأحوال منازعات شخصية. وحتى عندما نزلت الأية في صورة النساء:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحّكموك فيما شَجَرَ بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" فإن تفسيرها ـ حسب "الطبري" ـ أنها نزلت على أرضية خلاف حول سقاية من ماء يجري في أرض واحد من الأنصار وأرض جاره الزبير بن العوام، أمر فيها الرسول عليه السلام الزبير، بالتزام المسامحة وأن يسقي هو ثم يسقي جاره، واعترض الأنصاري على حكم النبي نفسه، منوهاً اليه بصلة القرابة مع الزبير. ونتعلم من أسباب نـزول الآية، في رأي آخر، أن الآية نزلت لكي لا يصبح ما قضى به رسول الله سُنّة متبعة، إذ كَره الله أن يُسن ذلك بعد، حسب "ابن كثير"!
موضع النقاش هنا، يتعلق بمطابقة الدولة مع قوى تأنس في نفسها الأهلية بتديين الناس وحياتها، نيابية عن رب العالمين، ويصف اعضاؤها أنفسهم بـ "الربانيين" و"الرساليين"، بل بـ "مصاحف متحركة" حسب سيد قطب. وهنا موضع القلق، وكذلك موضع التوتر بين فضائين. فالدولة، من حيث هي بشر يحكمون، ينبغي أن تستفيد من الدين. والقوى الإسلامية الحقة والمستنيرة، من حيث هي تحمل رسالة هدى، ينبغي أن تستفيد من الدولة. ولا يتطابق الفضاءان!
www.adlisadek.net
 adlishaban@hotmail.com


 
 

 

 
 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025