من التضامن الى التطاول !- يحيى رباح
حرصت قدر ما استطيع طيلة الاسبوع الاخير ألا ألبي الحاح العديد من وسائل الاعلام، بالحديث عن زيارة الشيخ يوسف القرضاوي، الى قطاع غزة ،لأن لي على المستوى الشخصي موقفا سلبيا جدا من هذه الزيارة ومن كل نسق الزيارات المشابهة، ولدي رأي شخصي قد لا يوافقني عليه الكثيرون بان نسق الزيارات الى غزة المستمر منذ سنوات قد فقد كل ملامح للتضامن مع اهل القطاع المحاصر من البر والبحر والجو ، والمخنوق بالحزام الامني الذي يكتم انفاسه، والمقيد بتهدئة مجحفة لا معنى لها ولا يوجد ادنى التزام اسرائيلي بمفاعيلها، والمثقل بالبطالة الشديدة الوطأة لعشرات الالاف من الخريجين الجامعيين، والمحتقن بنوع من السلوكات الاجتماعية القسرية، بينما الزيارات تأتي وتذهب ولا شيء يتغير على الاطلاق !
فالحصار هو الحصار، والانقسام يأخذ نفسا جديدا من خلال المجاملات المنافقة المقصودة وغير المقصودة، لأن الكثيرين من الزائرين ليس لديهم الا هدف واحد، التقاط الصور مع اشلاء قتلانا وركام بيوتنا، وآلام العاطلين عن العمل، صور يلتقطها هؤلاء الزوار بطريقة احتفالية جارحة، ويستخدمونها في حملاتهم الانتخابية، وفي التسويق لأنفسهم، وفي الادعاء بأنهم ابطال ذهبوا الى خطوط النار !
بل ان بعضهم عاجز في بلاده كل العجز عن ممارسة الفصاحة في الخطابة إلا فوق رؤوسنا.
سبحان الله كيف ان المنافقين من السياسيين ورجال الدين يحولون كل شيء الى نقيضه تماما، حيث في البدايات كان يأتي المتضامنون بزوارق تمخر عباب البحر، فنشعر نحن اهل القطاع بأنهم بذلوا مجهودا وخاطروا بركوب البحر، بل بعضهم خاطر بحياته كما في السفينة التركية مرمرة! ولكن سرعان ما فترت الهمة، وتحولت زيارات التضامن الصادقة الى مراسم برتوكولية مملة وتافهة جدا ،حيث بعض الزوار يأخذون اذنا وضمانة من اسرائيل قبل ان تطأ اقدامهم ارض قطاع غزة ! وبعضهم لم يمجدوا بطولة الشعب الصامد بل دبجوا المدائح في الانقسام !
بل اكثر من ذلك فان حملات التضامن الشعبية الصادقة انداحت الى الخلف وحل محلها ما يشبه العمليات التجارية في تجارة التضامن ! فعلى سبيل المثال لا الحصر، انتشرت في بعض بلدان العالم العربي والإسلامي مئات من لجان التضامن خلال الحرب الاسرائيلية المجرمة ضد قطاع غزة في نهاية 2008 وبداية 2009، وتكاثر عدد الخبراء العسكريين المزيفين على شاشات الفضائيات كأنهم الطحالب وهم يحملون في ايديهم عصيا صغيرة يشيرون بها الى خارطة قطاع غزة، كما لو انهم يشيرون الى عمليات عسكرية تحدث في قارة مجهولة ! مع ان القطاع بسكانه –كما قال الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل زميل الشيخ القرضاوي – لايعادل جزءا من حي شبرا احد احياء القاهرة مما دفعه الى اقتراح بضم القطاع وأهله الى مصر، والسلام ختام.
المئات من لجان وجمعيات التضامن ما ان انتهت تلك الحرب الاسرائيلية الاجرامية مخلفة وراءها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى وعشرات الآلاف من البيوت المهدومة، وما ان انتهت الحرب حتى تلاشت تلك الجمعيات التضامنية، بعد ان حصل اصحابها ما استطاعوا تحصيله باسم الدم الفلسطيني، ثم انتهى الموسم ولم نعد نرى منهم احدا.
اعتقد ان الزيارات الاخيرة ومن بينها زيارة القرضاوي تندرج في هذا السياق السلبي، وأنها تشكل انحدارا دراماتيكيا من صدق التضامن الى عبث التطاول.
يا اشقاءنا العرب والمسلمين، ما نطلبه منكم وطنيا وقوميا وإسلاميا وأخلاقيا، اكبر من ذلك بكثير، فو الله انكم جميعا اقل خبرة في النضال والصمود وعبقرية البقاء من أي مواطن مقدسي يتشبث ببيته الآيل للسقوط في القدس التي تطلقون الفتاوى بتحريم زيارتها تاركينها للصهاينة، فكيف تجيزون لأنفسكم ان تنفلت ألسنتكم بما لا تفعلون، وكيف تصدعون الرؤوس بالحديث المكرر عن الحلال والحرام، ولماذا تشايعون الانقسام وتكرهون المصالحة، ولماذا تلبسون الباطل بالحق ان كنتم تؤمنون؟ ان كل زيارة فيها تحرض على بقاء الانقسام والاعتراف به، وتشجيع على التيه في صحراء سيناء، وتحفيز على التشبث بالأوهام، ودعوة للكراهية بين ابناء الشعب الفلسطيني الواحد، هي نوع من التطاول الذي يسيء لكم ولسمعتكم ايها الزائرون العابرون.
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya-rabahpress@hotmail.com