الفريق المجايدة وشرف العسكرية الفلسطينية- يحيى رباح
يرحم الله الفريق عبد الرازق المجايدة الذي غادرنا قبل أيام بعد أن أمضى خمسين سنة كاملة تحت السلاح، منذ أن ذهب إلى الكلية العسكرية في القاهرة، وكان من أوائل الشباب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يذهب إلى الكلية العسكرية المصرية ليكون ضابطاً في أول تشكيل يحمل اسم القوات الفلسطينية، وقد اشترك اللواء المجايدة في كل الحروب والمعارك التي اندلعت على خلفية القضية الفلسطينية أو بسبب تداعياتها المستمرة، بصفتها القضية الأم والمحرك الأول لمصير ومستقبل هذه المنطقة حتى ولو كره الكارهون، وقد شارك في حرب عام 1956 «العدوان الثلاثي»، التي شاركت فيها بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل، واستهدفت قطاع غزة بالاحتلال كما استهدفت صحراء سيناء والدلتا المصرية وصولاً إلى بورسعيد التي حدثت فيها معارك طاحنة لا تنساها ذاكرة التاريخ الإنساني.
و قد تصادف أن مدينة خان يونس وهي مسقط رأس الفريق عبد الرازق المجايدة بصفته واحداً من أبناء عائلاتها المرموقة، قد دخلت هي الأخرى حالة من الحضور المتوهج في تاريخنا الفلسطيني المعاصر، بسبب صمودها الكبير في وجه المجزرة الإسرائيلية، وبطولة مقاتليها المميزين سواء الفدائيين أبطال العمليات الخاصة الذين كان يقودهم في ذلك الوقت الضابط المصري المتميز مصطفى حافظ، أو رجال الكتائب الفلسطينية التي كانت حديثة العهد في التشكيل، ولكنها أبلت بلاء حسناً في تلك الحرب التي شاركت فيها أهم القوى الدولية «بريطانيا وفرنسا» إلى جانب الجيش الإسرائيلي.
و على امتداد خمسين سنة من الخدمة العسكرية، الخدمة تحت السلاح، ظل الفريق عبد الرازق المجايدة يتدرج في رتبه العسكرية، وفي المهمات التي تولاها، كمحارب في الميدان، في الجبهات العسكرية الممتدة من جبهة قناة السويس إلى معركة اجتياح بيروت في عام 1982، إلى معركة حصار طرابلس في شمال لبنان عام 1983، والمواجهات التي جرت مع ظاهرة الإنقلاب الدموي الذي احتضنته سوريا، وصولاً إلى المواجهات العسكرية التي جرت في قطاع غزة حتى بعد قيام السلطة الوطنية والتي استشهد فيها زملاء كبار له كانوا يعتبرون من الملامح الأساسية للعسكرية الفلسطينية مثل اللواء أحمد مفرج، يرحم الله الجميع.
السمة الأساسية التي كرسها الفريق عبد الرازق المجايدة هي سمة الجندي المحارب، الجندي المخلص طيلة الوقت للقسم العسكري للشرف العسكري، يؤدي واجبه بإتقان، وابداع، وتفان، تحت لواء قيادته الوطنية الشرعية، دون أن تزحزحه الرياح التي تهب في ساحتنا الفلسطينية المعقدة، شديدة التداخل، والتي تعصف بيقين الكثير من الرجال الأشداء في بعض الأحيان.
الفريق عبد الرازق المجايدة ظل طيلة خمسين سنة من الجندية، من الخدمة تحت السلاح، نموذجاً للانضباط في أرقى حالاته وللالتزام في أعلى درجاته، ولهذا السبب كان دائما مثار الاحترام والتقدير، ونموذجاً للكفاءة والثقة، ومفعماً بالصدق والتوازن حتى في تلك اللحظات التي يفقد فيها أعتى الرجال قدرتهم على الصمود والصدق.
و هو، كرجل عسكري، أوفى للشروط ونماذج الممارسة الراقية التي يتطلبها هذا الاختيار، فحين يختار الانسان عن سابق إصرار وترصد أن يندرج في سلك الجندية، وفي الخدمة تحت السلاح، فيجب أن يتحلى بكل المناقب التي تجعله أهلا لذلك، والتي تجعله بوصلة وطنية لا تضل الاتجاه أبداً!
و هكذا كان الفريق عبد الرازق المجايدة منذ أن تخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان وحتى وصوله إلى أعلى المراتب والمهمات العسكرية في مسيرة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، وفي الطريق إلى تحقيق أقانيمنا الثلاثة المقدسة «الوطن والكيان والهوية» بدأ بدولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
من المؤكد أن هذا النموذج الوطني سوف يعيش في ذاكرتنا لفترة طويلة، وسوف يحضر في الوجدان الجمعي للشعب الفلسطيني من خلال سيرته الطيبة، وسوف يكتب الكتاب عن تجربته، وعن شرف العسكرية الفلسطينية التي كان أحد رموزها، فله الرحمة ولذكراه الخلود.
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya-rabahpress@hotmail.com