نملاتي المعلمات:. محمود ابو الهيجاء
ثمة ممر حجري صغير يمتد من باب البيت الذي اسكن فيه الى باب الحديقة، امشيه كلما غادرت البيت وكلما عدت اليه، لكن لا امشيه لوحدي بل مع نملات سوداوات يشكلن خيطا يتوسط الممر ويمتد على طوله واظنه يبدأ من بيت لهن في الحديقة وينتهي اليه، بالطبع اتحاشى هذا الخيط بعناية شديدة فلا اريد له انقطاعا، وانا اشاهد دأبا لامثيل له في حياة البشر، كل يوم منذ الصباح وحتى العصر تقريبا، والنملات ذاهبات آتيات يحملن نتفا من اوراق الشجر وفتات اطعمة لا اعرف ما هي، دون كلل ولا ملل، والمدهش ان هذا الخيط لايفقد مساره، اعرف ان خارطة كيماوية يستدل بها النمل ويعرف دروبه، لكن ليس الى هذا الحد من الدقة التي تجعل من هذا المسار وكأنه شارع بعلامات مرورية... ! المدهش ايضا ان هذا الخيط وقت الظهيرة يختفي تقريبا، الا من بضع نملات أظنها تائهات أو انهن لم ينجزن ما عليهن من عمل بعد، أو لعلهن طائشات متمردات على نظام الجماعة وقوانينها، ربما يكون هذا الاحتمال الاخير ممكنا، برغم انه احتمال القصيدة في مجازات مخيلتها الخصبة.. ! لكن أليس المجاز رؤية أخرى للواقع والمعنى معا، ثم ان هذا الروح الذي ينطوي النمل عليه، أعني روح العمل الدؤوب، تسمح تماما برؤية من هذا النوع، وهذا في تقديري أهم ما في هذا الموضوع، أعني روح العمل الدؤوب الذي لو كنا على قدر يوازيه لكنا انجزنا الكثير دون شكوى النفس الامارة بالسوء ودون تأفف العقل وتطلعاته الاستحواذية الكسولة التي تريد كل شيء دون جهد يذكر.
شكرا لهذه النملات العاملات وحتى لتلك الطائشات، انهن معلمات على نحو ما أرى دون أية مبالغة.
haشكرا لهذه النملات العاملات وحتى لتلك الطائشات، انهن معلمات على نحو ما أرى دون أية مبالغة.