علم اقتصاد الكلام- محمود ابو الهيجاء
للكلام عادة مقاصد وغايات قد لا تقولها الكلمات بصورة مباشرة، خاصة الكلام المكتوب، ولن اتحدث عن هذه المقاصد والغايات ،اعني لا اريد نقدها او تصنيفها ان كانت نبيلة او منحطة، فاسدة او نزيهة وطيبة، وانما اريد الاشارة الى حقيقة انه ما من كلام دون غاية ومقصد حتى هذا الذي يلقى على عواهنه، اي الذي يخرج من فم او من قلم قائله على الورق دونما تفكير ...!!!
اقول حتى هذا الكلام له غاية، وعلى الاغلب هي هنا، غاية حب الظهور لا اكثر ولا اقل .
وقرأت ذات مرة، ولا اتذكر لمن مع الاسف الشديد ، أن الانسان عندما تعلم الكلام طلب السلطة اولا، وبهذا المعنى فان غاية الكلام القصوى هي السعي للسيطرة، وفي احتمال الشعر ومجازاته، نرى الكلام مرة من ورق، ومرة من قصب، ومرة من لحم ودم، ومرة من تراب واخرى من ذهب، ذلك لأن الكلام يسعى لفتح الابواب كلها وهتك اسرار الصناديق المغلقة، وكلما كان الكلام كمثل شهوة او كمثل قصيدة، كان اقرب لغاية الاعتراض او الاعتراف او التطلع، وكلما صدر عن وجع تحلى بفروسية الملحمة وسعى لمكانة في التاريخ.
والكلام انسنة كلما تحالف مع الحكمة، وتخلص من وهم السلعة وحب التملك، اي كلما انتهى الى غايات لا علاقة لها بالسيطرة.
والكلام معرفة اذا ما اعتمد الاسئلة والحوار والقراءة طبعا وتراكم الخبرة اذا ما امسك بالتجربة وادرك مفاعلاتها الحيوية ودروسها المستخلصة .
يبقى ان اتحدث عن حب الكلام الذي بات اليوم مشاعا على نحو لم يسبق له مثيل، وتحت شعارات ايقونية تجعل من الكلام ممكنا ايا كان مستواه ونوعه، واعني هنا كلام الانترنيت، الذي لا يضرب فكرة المرجعيات العامة وحدها بمقتل فحسب، وانما يكرس وهم الفرد كمرجعية لنفسه، بما يجعل من الكلام غاية بحد ذاته ...!!!
ولأن الامر كذلك كما ارى ، فأن اكثر ما نحتاجه اليوم هو علم جديد، سأسميه علم اقتصاد الكلام .