جواز السفر والوطنية الفلسطينية - جهاد حرب
خاض الفلسطينيون معارك عديدة في تاريخ ثورتهم المعاصرة لإعادة احياء الهوية الوطنية الفلسطينية ورموزها ووحدانية قرارهم بعد سنوات التيه "الضياع" التي أعقبت نكبة العام 1948. شكل الحصول على جواز سفر فلسطيني أحد أهم رموز استقلاليتهم بعد عذابات أغلب الفلسطينيين في الحصول على جواز سفر قادر على تسيير اعمالهم وتنقلهم وممارسة حياة طبيعية. لكن بعد انشاء السلطة الفلسطينية العام 1994 وحصول الفلسطينيين على هذا الجواز، وبغض النظر عن مدى الاعتراف به دوليا، أصبح محل اعتزاز وافتخار المواطنين.
فيما بعض المواطنين حافظوا على حقوق مكتسبة بموجب حصولهم على جنسية أخرى وحمل جواز سفر غير فلسطيني "عربي أو أجنبي". وهنا لا أعتقد ان هناك ضيرٌ في ذلك للحافظ على املالهم وحقوقهم في تلك البلدان، لكن الاشكالية تكمن فيمن يتحمل مسؤولية سياسية أو إدارية رفيعة "عليا" في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ حيث تمثل ازدواجية الجنسية للمسؤوليين إحدى أشكال تضارب المصالح، أي بين تلك المصالح التي يتحمل عبئ تمثيلها بحكم مسؤوليته في اتخاذ قرارات تمثل مصالح الشعب الفلسطيني العليا وبين كونه مواطنا في دولة أخرى قد تكون في مجالات تفاوض أو خلاف فأي المصالح سيمثل حينها.
وكيف لوزير أو نائب في المجلس التشريعي أو مسؤول اداري رفيعا أن يخاطب سفير دولته الاخرى؟ وهل سيتعامل معه باعتباره ندا أم أنه أحد رعاياه "أحد ابناء الجالية" أي بمعنى أدق ما هو شكل العلاقة القائمة بينهما. وكيف لنائب و/ أو وزير فلسطيني ان يشارك في انتخابات ويصوت لصالح حزب و/ أو مرشحا للانتخابات أن يتعامل بندية مع النائب الذي يمثله في برلمان دولته الثانية، وما هو شكل العلاقة بينه وبين الحزب الذي صوت له هل علاقة تبعية أم علاقة مخاصمة في حال فاز حزب منافس وما هي تأثيرات هذه العلاقة على المصالح الوطنية العليا التي يمثلها هذا النائب أو القيادي السياسي أو الوزير.
كما أن بعض المسؤولين ممن يحملون جنسية دولة أخرى يعتبرون انفسهم عابرو سبيل في السلطة الفلسطينية ينتهزون فرصة يقتنصونها وبعد انتهاء "الكعكة" وما يدر منها نفوذا ومالا يتحولون الى رعايا دولة أخرى.
آن الأوان بعد تسعة عشر عاما على انشاء السلطة الفلسطينية تخيير المسؤوليين السياسيين ممن يحملون الهوية الفلسطينية (اعضاء اللجنة التنفيذية والوزراء ومن في حكمهم وأعضاء المجلس التشريعي والسفراء وكبار موظفي المجلس التشريعي والوزارات والرئاسة ممن حصلوا على الدرجة الوظيفية العليا) أن يحددوا أية جنسية يفضلون ويحترمون أو ينتمون.
فقد بات من غير الممكن أن يكون مسؤولا رفيعا ممن حصل على "المواطنة" في دولة فلسطين لا يفتخر بجواز سفر دولته. كما بات عليه أن يختار بين الدفاع عن مصالح المواطنين ودولته وما بين الدفاع عن مصالحه الشخصية؛ هذه مسألة كرامة وطنية تتعلق بالهوية الفلسطينية.