أليات مواجهة "الفوضى الخلاقة"- عادل عبد الرحمن
تطرح السياسات الاميركية / الاسرائيلية العدوانية المستهدفة شعوب اقليم الشرق الاوسط الكبير وخاصة شعوب الامة العربية في هويتها وشخصيتها الوطنية وثقافتها القومية ووحدة تراب دولها، بالعمل على تفتيتها وشرذمتها الى دويلات دينية وطائفية ومذهبية وعرقية/ اثنية، كما يجري الان في العراق وليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس والسودان والصومال وفلسطين والحبل على الجرار لباقي الدول، بهدف تعميق عملية النهب للثروات والمصالح الوطنية والقومية، والحؤول دون نهضة وتطور الشعوب العربية، وتبديد فكرة القومية العربية ومشروعها التنويري، وإبقاءها خاضعة للهيمنة الاميركية / الاسرائيلية وفي ذيل حركة التاريخ.
هذا الاستهداف، الذي حقق حتى الان سلسلة من الخطوات نحو الهدف المذكور اعلاه، حيث تعيش الشعوب العربية حالة من الانقسام لم تشهدها من قبل نتيجة وصول جماعة الاخوان المسلمين، واتساع نفوذ التيارات التكفيرية "تنظيم القاعدة" والتيارات السلفية الجهادية في اوساط الساحات العربية بفضل الثورات العربية ، التي افسحت المجال امام تلك التيارات للمشاركة والتقرير في الحراك المجتمعي صعودا وهبوطا، الذي اتسم بطابع وسمة إلانكفاء والتراجع، واتساع دائرة تمزق النسيج الاجتماعي من خلال بسط نفوذها المتنامي على العديد من منابر ومجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وبالضرورة الدينية وتفرعاتها المذهبية والطائفية، مستفيدة من ضعف التيارات الوطنية والقومية الليبرالية. الامر الذي أحدث إنتكاسة جلية باهداف الثورات العربية في كل الدول حتى اللحظة.
المخطط الاميركي/ الاسرائيلي ليس قدرا على شعوب المنطقة، وإذا كان ذلك ممكنا في شروط الحرب العالمية الاولى عام 1916، عندما استطاعت دول الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي من تقاسم النفوذ في الوطن العربي وعلى حساب مصالح وتطور الشعوب العربية ووحدتها القومية على اساس ما تم التوافق فيما بينهم في اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة. فإن شروط اللحظة العربية، ورغم كل حالة التراجع والضعف، الذي تعاني منه القوى السياسية القومية والليبرالية، إلا ان إمكانية درء أخطار المخطط الاميركي / الاسرائيلي، إمكانية قائمة وممكنة، ولو اخذت الساحة الفلسطينية بكل تعقيداتها نموذجا، فإن عوامل النهوض تتمثل في الاتي:
اولا على المستوى الوطني: 1- إستشعار كل القوى الوطنية، حاملة راية المشروع الوطني بالاخطار المحدقة بالمشروع الوطني، التي باتت ماثلة للعيان، والتي لم تقتصر على النخب السياسية، بل بات إستشعار ذلك امراً جماهيرا عاما في الداخل وداخل الداخل والشتات. الامر الذي يفرض على كل قوة منفردة الدعوة الداخلية لاستنهاض الذات بالوسائل المتاحة التنظيمية والكفاحية والادارية والمالية والثقافية ... إلخ 2- الدعوة لمؤتمر وطني يجمع القوى الرسمية والشعبية ومختلف قطاعات الشعب لدراسة الاثار التدميرية للسياسات الاميركية / الاسرائيلية على المشروع الوطني، واستخلاص الدروس والعبر وإقرار القرارات الضرورية للنهوض بالذات الوطنية وبادوات الشعب الوطنية وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تجدد ذاتها من خلال تطوير البنى في مؤسساتها ودوائرها بحيث تصبح أداة حقيقية للوحدة الوطنية الجامعة للكل الوطني وبمعايير الوطنية الفلسطينية ، 3- الوحدة الوطنية والنهوض بها يشمل جميع القوى السياسية في الساحة، ولكن لا يجوز الخضوع لابتزاز التيارات الاسلاموية تحت اي اعتبار ما لم تخضع لمعايير الهوية الوطنية وقوانين الدستور الفلسطيني (النظام الاساسي) والقبول بالبرنامج الوطني العام سياسيا وكفاحيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا؛ 4- ما لم تلتزم قوى الانقلاب الحمساوية بقرارات الاجماع الوطني، والعودة الى جادة الشرعية الوطنية، ووأد الانقلاب وادواته وإزالة آثاره كلها فورا وعلى الاسس التي تم التوافق عليها، فإن الضرورة تملي على القوى الحاملة لراية المشروع والاهداف الوطنية إيجاد الوسائل والسبل الكفيلة لاعادة الاعتبار لوحدة الارض والشعب والنظام السياسي الديمقراطي التعددي. لانه لا قيمة ولا مجال لبلوغ الاهداف الوطنية ما لم تعود الوحدة الوطنية إطارا جامعا للشعب الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وكل حديث عن خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67 لا قيمة له، وليس اكثر من لغو وتضليل للذات والشعب، لان إقامة الدولة الوطنية، إن قدر لها ان ترى النور مشروط بعودة الوحدة الوطنية، لانها شرط اساسي لمواجهة التحديات الخارجية وخاصة الاسرائيلية. وللرد على كل القوى المعادية للمشروع الوطني الاسرائيلية والاميركية والعربية المتواطئة معها، والقوى الداخلية وخاصة جماعة الاخوان المسلمين ومن لف لفهم من انصار الرؤية الاسرائيلية. 5- تعميق عملية التكامل بين اشكال النضال الاساسية السياسية والديبلوماسية والكفاحية والاقتصادية والثقافية/ الفنية والاعلامية والحقوقية والاكاديمية والصحية والرياضية. وهذا يستدعي إعادة نظر في كل اليات العمل القائمة، لانها اليات غير مجدية، بسبب طابع الترهل، الذي يكسوها. والاهم من كل الاشكال المذكورة انفا، تعميق عملية الترابط بين السياسي والديبلوماسي والكفاحي، وخلق أدوات قادرة على تطبيق وترجمة السياسات والخطط الوطنية، واخضاع كل المؤسسات والوزارات والاجهزة لخدمة العملية الكفاحية المشتركة. بحيث تصبح القضية الفلسطينية عنوان اول في المنابر السياسية والاعلامية بمستوياتها المختلفة.
ثانيا عربيا. 1- العمل على مد الجسور مع القوى القومية والديمقراطية العربية، في محاولة لاستنهاض الحالة العربية، وخلق الشروط والمناخات القومية الايجابية للعمل العربي المشترك. ووضع برنامج قومي عام، يهدف الى تسليط الضوء على الخطر الاميركي / الاسرائيلي/ الاخواني والقطري / التركي الداهم، ووضع اليات لمواجهته في كل ساحة وفق شروطها السياسية وخصائها الوطنية. 2 التصدي بقوة للتيارات الاصولية وخاصة الاخوان والسلفية الجهادية عبر المنابر المختلفة، والعمل على حماية وحدة الدولة في كل بلد من البلدان العربية، وتعزيز الهوية الوطنية، وتعميق الروابط بين اتباع الديانات السماوية الثلاث؛ 3 العمل مع كل قطاعات الشعب في ضوء إفتضاح مخطط الجماعات الاسلاموية التخريبية، لصياغة دستور يحمي وحدة الارض والشعب في كل دولة، وإعلاء شان القانون والنظام، ومحاربة فساد الاخوان المسلمين ومشاريعهم التدميرية. 4- النهوض بدور القوى الوطنية والقومية الديمقراطية لاعادة الاعتبار لذاتها ودورها كحاملة للمشروع الوطني في الساحات المختلفة دون تباطؤ لتتمكن من مواجهة المخططات والمشاريع المعادية. 5 – ربط العلاقة مع اي قوة قومية او اي كان عنوانها الحزبي او السياسي معنية بدعم القضية الفلسطينية واهداف الشعب العربي الفلسطيني، دون ان يمس او ينتقص من مكانة القيادة والمنظمة.
ثالثا عالميا تطوير التحالفات مع الدول والاقطاب المؤيدة للاهداف الوطنية الفلسطينية وخاصة روسيا والصين واليابان والهند والارجنتين والبرازيل وكل دولة تستجيب لمصالح واهداف الشعب العربي الفلسطيني؛ 2- الخروج من تحت العباءة الاميركية طالما بقيت تتساوق مع الرؤية الاسرائيلية، وما لم تعيد النظر في سياساتها العدوانية تجاه اهداف الشعب الفلسطيني وخاصة اقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين؛ 3- الضغط على دول الاتحاد الاوروبي لتطوير مواقفهم لدعم التوجهات السياسية الفلسطينية، والاستفادة من كل المنابر الحقوقية والاكاديمية والثقافية / الفنية والبرلمانية لتعميق الضغط على القيادات السياسية الاوروبية، حتى تنسجم مع مصالحها، وللتعويض عما ارتكبته تاريخيا ضد مصالح الشعب الفلسطيني من خلال وقوفها في دعم نشوء دولة التطهير العرقي الاسرائيلية عام 1948؛ 4- الاستفادة من المنابر الدولية المختلفة وخاصة منبر الامم المتحدة، والتوجه فورا الى المنظمات الاممية، التي سمح تطور مكانة فلسطين في الامم المتحدة كعضو مراقب بالدخول لها، والتوقف عن التساوق مع الضغوط الاميركية. واستخدام هذه الورقة لتعزيز دور ومكانة الشعب الفلسطيني وقيادته امام الراعي الاميركي وقيادة دولة الاحتلال الاسرائيلية.
المناورة والتكتيك مطلوب مع كافة القوى والدول والاقطاب بما يخدم الاهداف الوطنية والقومية، ولكن دون إخضاع الاستراتيجي للتكتيكي، ودون إخضاع التكتيكي للاستراتيجي، وانما من خلال الربط الديالكتيكي العميق والايجابي بين المسارين والاهداف الانية والبعيدة بما يخدم النهوض بالقضية والمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
a.a.alrhman@gmail.com