صعود الوطنية الفلسطينية من جديد - يحيى رباح
النكبة الفلسطينية في ذروتها التي ضربت الشعب الفلسطيني ضربة موجعة وقاسمة في عام 1948، كان مخططا لها في العقل الصهيوني والاستعماري انهاء الوطنية الفلسطينية وموتها الكامل، وتكمن معجزة اعادة احياء الوطنية الفلسطينية أولاً واخيراً، في قوة اولئك الرجال، والشباب على وجه خاص، الذين قرأوا فاجعة النكبة بعيونهم، وتجرعوا أهوالها وعذاباتها بأنفسهم، وكشفوا أسرارها الخفية بما فيها من تآمر وتواطؤ وخذلان، وأيقنوا بوعي عميق وإيمان يفوق التوقعات، أنه يتوجب عليهم هم وحدهم دون سواهم أن يصنعوا القيامة!!!
متسترين بكل الأردية والغطاءات المتاحة، ومستفيدين من كل الأوعية الممكنة، مستثمرين لحظة الانكسار والشعور بالذنب لدى محيطهم العربي والإسلامي لصنع بداية جديدة، تمثلت في الحركة الوطنية الفلسطينية في بداية الخمسينيات التي احتشد فيها كل مبدعي الوطن السليم والممزق من الشعراء والفنانين التشكيليين والادباء والكتاب والخطباء والتربوين وأهل الذاكرة، لكي يعود الاسم الفلسطيني إلى المشهد، برغم أن هذا الاسم كان له اسماء بديلة قسرية، حين أصبح الفلسطينيون في أوراقهم الرسمية إسرائيليين عربا وأردنيين ومصريين، ولاجئين، وأهل الشتات!!!
وكان لكل اسم من هذه الاسماء القسرية أوضاع قانونية وسياسية غاية في الصعوبة والاستحالة !!!
و من المؤكد أن الحلقة الوطنية الفلسطينية هي التي أطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي التي جلست الوطنية الفلسطينية في مقعد الحضور فوق مسرح الأحداث، وخاصة الأحداث الدامية التي لا تستطيع أن تهرب منها الذاكرة.
و لكن الوطنية الفلسطينية لم تكن يوماً بمأمن من الخطر، أو بمنأى عن التهديد بالدمار من جديد، وذلك عبر تحديات جدية مستمرة، أهمها التداخل الواسع بين النضال الفلسطيني والعربي والإسلامي!!! وفي كل تداخل فإن الأقوى هو الذي يقرر في نهاية المطاف، فما بالكم بشعب تحت احتلال هدفه الإلغاء، وأن هذا الهدف الإسرائيلي كثيراً ما تماهى مع أهداف الشقيق العربي والإسلامي!!!
بالاضافة إلى ما يلقاه هذا الهدف الإسرائيلي من دعم الأقوياء الآخرين.
و لو درسنا التحديات التي واجهها الشعب الفلسطيني لتأكيد هويته الوطنية في مواجهة الاسلام السياسي في أطواره الصاعدة والهابطة، لوجدنا وقائع سوداء تفوق الخيال وما زال أكثرها مستمرا حتى اليوم.
وعلى سبيل المثال, فإن الاسلام السياسي ارتكب الخطيئة الكبرى حين تبنى الروايات الإسرائيلية على مستوى الخرافة أو على مستوى الحقائق، وسواءاً كان هذا التبني بالرفض أو القبول، فقد كان بمثابة كارثة ضد النضال الوطني وضد إعادة إحياء الهوية الفلسطينية.
كما أن الاسلام السياسي تمكن منذ اليوم الأول وبتعمد, من إحداث شق وشرخ كبير في آليات الكفاح لاستعادة الحق الفلسطيني، فقد كان تأكيد الخلاف لديه أهم من القضية نفسها، وقد شكل الاسلام السياسي نفياً للذاكرة الوطنية!!!
وكان ينظر بعداوة متوحشة إلى فكرة الانتماء الوطني!!!
واسس لنفسه مرجعيات مخالفة ومعاكسة بل مناقضة!!!
فقد أعطى الأولوية للدولة الاسلامية، وإعادة الخلافة، وللصراع مع الاشتراكية والشيوعية، وأعلن أن أفغانستان قبل فلسطين!!!
وأن الجزء الإسلامي قبل الكل الوطني، والأخوة الإسلامية قبل الأخوة الوطنية!!!
بل كلنا نتذكر كيف كان موقف الاسلام السياسي عندما قام الأردن الشقيق بفك ارتباطه مع الضفة الغربية لصالح تقوية الاستقلال الفلسطيني.
و خلال عقود من الزمن، كان الاشتباك مع الوطنية الفلسطينية عنيفا للغاية، لدرجة أن خسائر الفلسطينيين على أيدي غير الإسرائيليين كانت كبيرة جداً، وقد بلغت على يد الإسلام السياسي ذروتها في يوم الرابع عشر من حزيران 2007، يوم الانقسام الأسود، حين أعلن الاسلام السياسي بأنه يقبل " الأعطية الإسرائيلية " بالاستيلاء على قطاع غزة وسلخه عن مساره الفلسطيني، لكي يوجه ضربة للوطنية الفلسطينية طلبتها إسرائيل بكل الحاح.
ولكن، وبما أن كل ما هو وطني أكثر صفاء ووضوحاً، وأكثر التصاقاً بالضرورات الملحة، فإن الوطنية الفلسطينية ظلت صامدة، وظل كل انجاز يرتبط باسمها، وظلت أكثر استقطاباً للجميع!!!
بل إنه حتى عندما ضعفت الفصائل الوطنية كأوعية سياسية، فإن الوطنية الفلسطينية لم تضعف أبداً، وظلت هي المنارة وهي الاتجاه الصحيح، وظلت هي بيت الجميع.
وأعتقد أن الانكشافات المفجعة التي تعرض لها الاسلام السياسي في السنوات الأخيرة، قد أعطت للضرورات الوطنية مكانها اللائق في العقيدة والحياة، بل إن هذه الانكشافات القاسية قد اهدت للفكرة الوطنية دعماً وعمقاً إضافياً، لأن هذه الوطنية هي التي حملت أعباء قضية من أصعب قضايا التاريخ الإنساني.
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya-rabahpress@hotmail.com