زمن الانقسام وزمن الاستيطان- يحيى رباح
اسرائيل مرتاحة بل مرتاحة جدا, وما يتم الحديث عنه بين وقت وآخر من تخوفات من التطرف الاسلامي, والحركات الاسلامية الجهادية في سوريا وغيرها مثل جماعة النصرة او مقاتلي الشام, او الجماعات الاسلامية الجهادية في سيناء, او ادعاء مجموعات جهادية في قطاع غزة! ليس سوى كلام في كلام, كلام تجيده اسرائيل واجهزتها الامنية دائما, وتصدقه الولايات المتحدة الاميركية والغرب دائما, ويطنطن حلفاء اسرائيل وعملائها في المنطقة حول الموضوع لبعض الوقت لاعطاء اسرائيل بعض المصداقية ثم نكتشف بعد ذلك ان كل ذلك ليس سوى كلام في كلام, وان اسرائيل مرتاحة جدا وتنفذ برامجها على الارض حسبما خططت له ميدانيا وزمنيا! ونعود نحن فلسطينيا وعربيا واسلاميا نلوك الاسئلة التي تظهرنا بمظهر المتفاجئين ليس الا!
هل تستمر هذه المعادلة على حالها؟
هذا سؤال صعب للغاية خاصة في هذا الوقت الحرج, لان بقاء اللعبة على حالها يعني بقاء الانقسام الفلسطيني متورطا بدرجة اكثر مما تعودنا عليه, والاحداث الجارية في مصر تؤكد ذلك, فلقد رأينا جماعات الاسلام السياسي تحتشد في القاهرة في مؤتمر علماء المسلمين, وفي جامع عمر بن العاص, وفي استاد القاهرة لاعلان الجهاد واذا به جهاد ضد سوريا, وجهاد ضد الشيعة, وحزب الله, وحركة تمرد, والدولة الفلسطينية من خلال تدعيم الانقسام! اما اسرائيل فهي محيدة, مستثناة, مؤجلة الى اجل غير مسمى, لان جماعات الاسلام السياسي لها منطوق آخر مختلف بان الجهاد داخل البيت له الاولوية الاولى التي تسبق أي شيء آخر.
وعلى سبيل المثال فان القدس ليست موجودة الآن على خارطة الاسلام السياسي, وان الاستيطان اليهودي ليس موجودا الآن على خارطة الاسلام السياسي! وبما ان الاسرائيلين والاميركيين يعرفون هذه الحقيقة, ويشاركون في صنعها والترويج لها لأنها تعتبر نجاحا خارقا لهم دون ثمن، فانهم يحاولون الآن باستثمار رهيب للوقت ان يقلبوا المعادلة رأسا على عقب, فبعد ان كان الاستيطان اليهودي الاسرائيلي هدفا ومحصلة اصبح اليوم صاحب قرار, ولعل دانون نائب وزير الجيش الاسرائيلي قد كشف النقاب في تصريحاته الاخيرة عن هذا التحول الكبير, حين اعلن ان حكومة نتنياهو لا تعترف بحل الدولتين, وان المفاوضات حول الارض يجب ان تجري مع الاردن ومصر! وقبل ذلك وبعده تواصلت عمليات الاستيطان بشراسة واستفزاز, وانتظرنا ردة فعل الادارة الاميركية, فكانت ردة الفعل ان جون كيري اجل او الغى زيارته للمنطقة بحجة انه مشغول في القضية السورية التي تحولت فجأة الى ارض الجهاد لدى الاسلام السياسي! واذا فان الاميركيين والاسرائليين والاسلام السياسي يسيرون على نسق واحد, ويخدم بعضهم بعضا, فهل تستمر اللعبة على هذا النحو؟
صحيح ان منحنى الاسلام السياسي قد بدأ بالهبوط الى درجة الانكشاف والانحدار نحو السقوط والتعرية الفاضحة, من خلال تقديم نفسه بأنه الأكفأ في خدمة الاعداء, فان هذا الاسلام السياسي يواجه مشكلات في كل المواقع والتجارب, وانه على موعد غير عادي ورغما عنه في مصر بعد ايام قليلة كل هذا صحيح, ولكن ما نريده ونتمناه قد يأخذ وقتا اطول, فما هي مساهمتنا فلسطينيا في احداث اختراق جدي في الحالة القائمة؟
كل ما ادعو اليه هو فتح نقاش واسع وجدي وصريح وشجاع حول الوضع القائم, فنحن محاصرون حتى الاختناق بين شقي الرحى, الانقسام والاستيطان, الانقسام هو فعل فلسطيني اسلامي برؤية اسرائيلية, والاستيطان فعل اسرائيلي بهروبية اسلامية,
انظروا مثلا الى المصطلحات السياسية المتداولة الان, جهاد ضد سوريا, جهاد ضد حزب الله, جهاد ضد الروافض, جهاد بعدم القيام بأعمال عدائية ضد اسرائيل, جهاد ضد شباب حركة تمرد «الكفرة», كتائب وألوية تتجه الى سوريا, الرباط في الشام واكناف الشام وفي غوطة دمشق تحديدا وفي حمص حيث قبر خالد بن الوليد وليس في بيت المقدس واكناف بيت المقدس كما ينص حديث الرسول الكريم الصحيح.
تعالوا نفتح نقاشا واسعا، عصفا فكريا شجاعا, لماذا نستصغر انفسنا فلسطينيا؟ اوضاعنا صعبة، لا احد ينكر ذلك ولكن دوننا لا يوجد حضور في هذه المنطقة, بل هروب مستمر, وتقديم اوراق اعتماد من الاسلاميين الجدد للاميركين والاسرائلين تفوق عشرات المرات، اوراق الاعتماد التي قدمتها الدكتاتوريات السابقة! تعالوا نتحاور بما يجب ان نفعله فالاختراق مطلوب, ربما لو فعلنا ذلك سيأتي باراك اوباما لزيارتنا مررة اخرى مصطحبا معه وزير خارجيته جون كيري!